[ الإرهاب يضرب المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية ]
تعمل الشرعية في اليمن المسنودة من التحالف العربي بقيادة السعودية، على تقليم مخالب الإرهاب في البلاد، الذي زادت شراسته عقب انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، وهو ما يضع كثير من علامات الاستفهام عن علاقة الانقلابيين بهذا الملف، خاصة أنه كان يحل حيثما كان الرئيس عبدربه منصور هادي.
وقامت السلطات اليمنية والتحالف بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية ضد" القاعدة" في اليمن، أبرزها انتزاع "المكلا" بحضرموت من قبضة الإرهاب، في أبريل/نيسان من العام الجاري، بعد أن ظلت تحت سيطرته قرابة عام.
ونفذ عناصر مسلحون، يزعمون أنهم ينتمون إلى ما يعرف بتنظيم "داعش"، يوم السبت 10 ديسمبر/كانون الأول، عملية إرهابية استهدفت معسكر الصولبان التابع للشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، أسفر عنها مقتل قرابة 48 جنديا، وإصابة 31 آخرين.
وتزامن ذلك الهجوم مع زيارة الرئيس عبدربه منصور هادي، ورئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، لمطار عدن الدولي في العاصمة المؤقتة عدن، اطلعا خلالها على سير الحركة الملاحية فيه، وكذا التجهيزات الجارية لإعادة تأهيل المطار.
ويقول متابعون إن تلك العملية، جاءت ضمن سيناريو يهدف للحيلولة دون استقرار عدن، التي تباشر السلطات اليمنية عملها منها، إضافة إلى الضغط على الشرعية التي رفضت رسميا وبوضوح الخارطة الأممية التي تشرعن للانقلاب، ولا ترتكز على المرجعيات الثلاث، وأبرزها قرار 2216، وفق مسؤولين حكوميين.
المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، كان قد لوَّح بعقوبة رفض الشرعية لمحاولته بالتوصل لاتفاق ينهي الحرب، وقال في بيان نشره على صفحته بموقع" تويتر"،" إن الحل السياسي وحده، من يضعف الإرهاب، ويُفعِّل الدولة اليمنية".
تاريخ الإرهاب في اليمن
لا يبدو أن اليمن كان بعيدا عن ما يجري من تغييرات في كثير من الدول، خاصة مع بدء تأسيس ما يسمى بتنظيم" القاعدة" عام 1988، والدعوة للجهاد، وهو التوقيت الذي بدأت القوات السوفيتية فيه بالانسحاب من أفغانستان، بعد حرب دامية استمرت عشر سنوات.
ويعود تاريخ القاعدة في اليمن إلى عام 1992، عندما هاجم متطرفون فندقين في عدن، كانا مرتبطين بالمصالح الأمريكية، لكن الهجوم الأبرز كان عام 2000، عندما فجر إرهابيون المدمرة يو إس إس كول الأمريكية في عدن، وتوالت عقبها الهجمات وتنوعت ما بين اعتداء على سياح أجانب، وكذلك السفارات، وبعض الشركات الأجنبية، وتفجير العديد من أنابيب النفط.
وفي عام 2002 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق مع الحكومة اليمنية في عهد نظام صالح، بمكافحة الإرهاب في اليمن، ونفذت عديد من الغارات الجوية باستخدام طائرات دون طيار، ما أدى إلى مقتل كثير من عناصر التنظيم وقادته، فضلا عن سقوط مدنيين أبرياء.
أما في يناير/كانون الثاني 2009، اتحد فرع القاعدة في اليمن مع نظيره في السعودية، تحت مسمى" القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، بقيادة ناصر الوحيشي، الذي قتل فيما بعد، وبات ذلك التنظيم أكثر ما يؤرق الجانب الأمريكي.
وكان التحول الأبرز في طبيعة الاعتداءات التي ينفذها التنظيم المتطرف، هو في عام 2011، بعد انتفاضة فبراير/شباط، حين سيطر حوالي 300 عنصرا من أنصار الشريعة جناح تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، على مدينة زنجبار بأبين، وإعلانها إمارة تابعة للتنظيم، في مايو/أيار، واندلعت عقبها حرب وصفت بـ"الغامضة" وامتدت إلى بعض المناطق في عدن المحاذية لها.
واستمر التنظيم الإرهابي بتنفيذ اعتداءاته، حتى تحول مسار تلك الهجمات مرة أخرى عقب انقلاب 2014، وزاد شراسة واستهدف وبشدة الجنود بدرجة رئيسية، كما عاود التنظيم في أبين نشاطه.
تماهى المجتمع الدولي أكثر مع مغالطات الانقلابيين تلك، وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية عام 2016 ما يسمى تنظيم" داعش" في اليمن إلى اللائحة السوداء للتنظيمات الإرهابية، على الرغم من البداية الخجولة لهذا التنظيم الذي ظهر مع بداية عاصفة الحزم بقيادة السعودية عام 2015، والذي لا يعرف عن قادته أي شيء، وهو ما يؤكد أنه كيان استخباراتي كبير.
دلالات التوقيت
والمتتبع لخيوط عديد من تلك الهجمات المنظمة، يجد أن المخلوع صالح، وقف وراءها بداية لابتزاز دول العالم- كما يقول متابعون-، والظهور بمظهر القوي القادر على لجم الإرهاب، ثم الضغط على خصومه وإفشال الشرعية التي تسعى لبسط سيطرتها على كامل أراضي الدولة، فضلا عن الاستقواء بالتلويح بتلك الورقة، التي تعد الوسيلة الأسهل والأنجع لجلب التدخل الخارجي، في ظل تقاطع المصالح.
واتهم تقرير صادر عن لجنة الخبراء الدولة، قادة عسكريين موالين لصالح، بتسهيل تسليم أبين للمتطرفين، بينهم يحيى صالح، ومهدي مقولة، وهو الأمر الذي تكرر مع سقوط المكلا، إذ تحدثت عدد من القيادات التابعة للدولة في نظام هادي، عن سماح قوات عسكرية في الحرس الجمهوري الموالي لصالح، لتنظيم القاعدة بالسيطرة على المكلا.
وانتهج الحوثيون ذات نهج حليفهم صالح، لكن وبطريقة أكثر شراسة، إذ دخلوا محافظتي عدن وتعز، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، و" حرب الدواعش" والتكفيرين، وارتكبوا مجازر مخيفة قتل على إثرها المئات من المدنيين الأبرياء، وهو الأمر ذاته الذي تتبعه إيران في شنها للحرب في الدول العربية كالعراق وسوريا التي باتت تحت سيطرتها، تكريسا للطائفية التي تعمل على إقحام المنطقة فيها.
ومنذ 2014، وخاصة بعد تحرير محافظة عدن في يوليو/تموز 2015، نفذ المتطرفون عشرات من عمليات الاغتيالات السياسية، واستهدفوا وبشكل ممنهج قوات الجيش والأمن، بلغت في عام 2016 فقط قرابة 46 عملية إرهابية، واستغل الانقلابيون الحرب، وأفرجوا عن مئات الإرهابيين الذين كانوا في سجون الدولة.
وما يؤكد ارتباط الإرهاب بالانقلابيين وحلفائهم الدوليين، هو عدم ضرب الإرهاب لمحافظات خاضعة لهم، والسعي الحثيث من قبل الحوثيين لإلصاق تهمة الإرهاب بمناوئيهم وتكريس ذلك في وسائل الإعلام التابعة لهم، فضلا عن تلويح المجتمع الدولي بهذه الورقة كلما اشتد الخناق على الحوثيين، كنوع من الضغط، وهو ما حدث منذ أواخر العام 2014، عندما بدأت وزارة الخزانة الأمريكية بإدراج عدد من قادة المقاومة الشعبية الموالية لهادي، إلى قائمة داعمي الإرهاب، استمرارا لممارسة نهج التدخل في شؤون الدول وإخضاعها لسيطرتها وابتزازها.
توظيف ملف الإرهاب
لا يمكن النظر لما يجري في اليمن، بعيدا عن سياق ما حدث مؤخرا في تركيا التي نفذ متطرفون عمليتين إرهابيتين استهدفتا اسطنبول، وأسفرتا عن مقتل 38 شخصا، وإصابة 166 آخرين، وكذا حادثة تفجير كنيسة قرب المقر الرئيسي لـ"الكاتدرائية المرقسية"، شرق القاهرة، أمس الأحد 11 ديسمبر/ كانون الأول 2016، والذي سقط جراءه 25 قتيلاً و49 مصاباً.
فالاستهداف المتكرر لدولتي تركيا ومصر، يؤكد على مضي الولايات المتحدة الأمريكية، نحو منع حدوث أي تقارب بين السعودية وتلك الدولتين، اللتين يمكن أن تشكلا مع الرياض سدا منيعا، أمام مشروع إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط الذي تتجه له الدول الكبرى.
ومن المتوقع أن يبدأ فصلا جديدا من فصول الحرب ضد الإرهاب، وإلصاق تهمة الإرهاب بـ"الفكر الوهابي"، مع صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم، وهو الأكثر ولعا بمكافحة الإرهاب، وكذا بعد صدور قانون" العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يسمح للناجين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وذوي الضحايا بإقامة دعاوى قضائية ضد حكومات البلدان المتورطة بالحادث؛ للمطالبة بتعويضات، ورفع الحصانة الدبلوماسية تجاه أية دولة مسئولة عن وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية، ويعتبره مراقبون استهداف للملكة العربية السعودية، في محاولة لتدويل المقدسات، وسلب الرياض موقعها الديني.
وأمام مايجري في اليمن يتوجب على الشرعية والتحالف العربي أن يبذلوا جهودا أكبر، من أجل مكافحة الإرهاب المسيس، وحتى لا ينجح الحوثيون والتيار الشيعي بزعامة إيران في المنطقة من الظهور كمكافح للإرهاب الذي يلصقونه بالتيار السني.