[ انتصارات تعز تشكل تحولاً عسكرياً سلبياً بالنسبة للانقلابيين - ارشيفيه ]
على وقع الانتصارات الأخيرة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في جبهة محافظة تعز، وتعثر جهود الحل السياسي، يبدو أن الأزمة اليمنية ستشهد تحولات مهمة خلال الفترة المقبلة تكسر حالة الجمود التي ظلت سائدة ما يقارب العام والنصف، منذ بدء الحرب، إذا استثنينا معركة تحرير عدن ثم قاعدة العند الجوية.
شملت حالة الجمود، خلال الأشهر الماضية، المسارين السياسي والعسكري، فالمفاوضات والوساطات الأممية فشلت في تقريب وجهات النظر بين السلطة الشرعية وتحالف الانقلابيين، كما أن المعارك في مختلف الجبهات ظلت تراوح مكانها دون أن يتمكن أي طرف من تحقيق تقدم عسكري نوعي على الأرض.
- دلالات انتصارات تعز
هناك عدة دلالات للانتصارات الأخيرة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في محافظة تعز ضد الميليشيات الانقلابية، لا سيما وأن لتعز أهمية خاصة، كونها تمثل العمق المدني والحيوي لليمن، وتستميت الميليشيات الانقلابية كثيراً في محاولتها للسيطرة عليها.
أول دلالات الانتصارات في تعز، أنها شكلت تحولاً عسكرياً سلبياً بالنسبة للانقلابيين. ففي البداية كانت الميليشيات الانقلابية في حالة الهجوم، ومحاولة السيطرة الكاملة على محافظة تعز. وبفعل صمود الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، انتقلت الميليشيات الانقلابية إلى حالة الدفاع، وحاولت بقدر الإمكان الحفاظ على المواقع التي تحت سيطرتها. وأخيراً، انتقلت الميليشيات الانقلابية إلى حالة الانسحاب والانكسار، وهذا يعد تحولاً نوعياً في مسار المواجهات العسكرية، خاصة في ظل الفارق الكبير في التسليح والإمكانيات البشرية، والتي تميل لصالح الانقلابيين.
ثانياً، الانتصارات في تعز تأتي في وقت لم يعد لمحاولات الجهود الأممية وغيرها، من أجل التوصل إلى حل سياسي، أي أهمية تذكر، ولم يعد أحد يعول عليها، سواء في الداخل أو الخارج، ولم تعد سوى مجرد عبث، فالقضية اليمنية هنا قضية مبدئية، غير قابلة للمساومات وأنصاف الحلول، ولهذا، فالانتصارات في تعز تعد مؤشراً هاماً للتأكيد بأن هزيمة الميليشيات الانقلابية أمر ممكن، شريطة الصبر والوحدة بين مختلف فصائل المقاومة الشعبية، والتنسيق العسكري فيما بينها، والأفضل أن تكون هناك قيادة عسكرية عليا لمختلف فصائل المقاومة الشعبية ووحدات الجيش الوطني.
ثالثاً، الانتصارات في تعز، إذا استمرت على نفس الوتيرة، وتم تحرير المحافظة بالكامل خلال الأيام المقبلة، فإن ذلك سيشكل دعماً معنوياً للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الجبهات الأخرى، وسيشكل هزيمة نفسية ومعنوية للميليشيات الانقلابية في مختلف الجبهات، ولتحقيق هذا الأمر، مطلوب استثمار الانتصارات في تعز بالشكل المطلوب، وأمرٍ كهذا، فإنه يتطلب من السلطة الشرعية ودول التحالف العربي تقديم دعم عسكري نوعي للجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بالإضافة إلى الإسناد الجوي المكثف عبر طائرات الأباتشي، لإرباك التعزيزات العسكرية للانقلابيين، وشل قدرتهم على الحركة.
- تعثر الحل السياسي
إن تعثر فرص الحل السياسي والسلمي للأزمة اليمنية يجب أن يشكل دافعاً قوياً للسلطة الشرعية ودول التحالف العربي بقيادة السعودية للاهتمام بالجانب العسكري حتى يتم الحسم، ويجب استثمار الانتصارات الأخيرة في محافظة تعز، نظراً لما تمثله جبهة تعز من أهمية، وأثر ذلك على بقية الجبهات.
واللافت إن جهود الحل السياسي عادة ما تنشط عندما تبدأ الميليشيات الانقلابية في الانهيار في أحد الجبهات، فهل هذا التزامن يحدث بمجرد الصدفة، أم أن الهدف إنقاذ الميليشيات الانقلابية من الانهيار الكامل، بحسب ما يراه الكثير من المحللين السياسيين والعسكريين؟.
للإجابة على هذا السؤال، هناك مؤشر هام بهذا الخصوص، يتمثل في أن هناك صراعاً إقليمياً ودولياً بين اللاعبين الكبار بخصوص الملف اليمني، وسبب هذا الصراع، أن السلطة الشرعية تحظى بالدعم العسكري من قبل دول التحالف العربي، فيما تحالف الانقلابيين يحظى بالدعم السياسي من قبل بعض الدول الكبرى المنخرطة في الأزمات العاصفة التي يشهدها المشرق العربي، وتعتبر المبادرة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والتي همش من خلالها السلطة الشرعية والمقاومة الشعبية، ثم اعتذار وزارة الخارجية الأمريكية للرئيس هادي عن تصريحات كيري، يعتبر كل ذلك أحد تجليات الصراع بين الداعمين العسكريين للسلطة الشرعية والداعمين السياسيين لتحالف الانقلابيين.
صحيح أن دول التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية تعاني من ضغوطات كثيرة من قبل بعض الدول الكبرى تدفع باتجاه الحل السياسي، بما يتوافق مع ترتيباتها الأمنية وخططها لإعادة صياغة المنطقة العربية سياسياً، لكن نسي الجميع أن الضغط الحقيقي يأتي من الجبهات، بدليل أن جهود الحل السياسي تنشط عندما تنهار الميليشيات الانقلابية في جبهةً ما، أو تكثف دول التحالف العربي من غاراتها الجوية على المواقع العسكرية للانقلابيين.
- خلافات الانقلابيين
هناك جانب مهم في مسار الأزمة اليمنية، يتمثل في الخلافات المتزايدة بين طرفي الانقلاب (تحالف المخلوع علي صالح والحوثيين)، وقد تسببت هذه الخلافات في تعثر تشكيل حكومة عبدالعزيز بن حبتور، واعتراض المخلوع علي صالح على استمرار عمل ما يسمى "اللجنة الثورية" للحوثيين، وعرقلتها لعمل ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" لتحالف الانقلاب، بالإضافة إلى اعتراض المخلوع علي صالح على سيطرة الحوثيين على أكثرية تشكيلة "المجلس السياسي"، وعدم تشكيله بالمناصفة مع جناح المخلوع صالح في حزب المؤتمر.
هذه الخلافات لا تعني أن تحالف الانقلابيين في طريقه للتفكك خلال هذه المرحلة، فعوامل استمرار التحالف أكثر من عوامل تفككه، خاصة وأنه تحالف مصلحي وآني، وزاد من تماسكه صمود المقاومة الشعبية بكل فصائلها، واستمرار تدخل دول التحالف العربي عسكرياً.
لكن هذه الخلافات سيكون لها تأثير سلبي على الأداء العسكري للانقلابيين، ذلك أن استمرارها وتفاقهما سيزيد من حالة عدم الثقة بين الجانبين، وستدفع قيادات كل طرف لمزيد من النهب والسباق على جني المصالح، وهذا الأمر بدوره سيؤثر على معنويات عناصر الميليشيات في جبهات القتال، خاصة وأن حالة الاستياء في أوساط القبائل الموالية للانقلابيين وتمثل مخزونهم البشري من المقاتلين بدأت تظهر إلى العلن، وهم يرون قيادات الميليشيات الانقلابية يبنون الفلل ويشترون العمارات والأراضي والسيارات الفارهة في العاصمة صنعاء، وأبناءهم يعودون جثثاً هامدة من جبهات القتال بدون تعويضات تذكر.