[ تعقيدات الملف اليمني يزداد يوما بعد آخر ]
تزداد الأزمة اليمنية تعقيداً يوماً بعد يوم بالنسبة لمناهضي الانقلاب في الداخل ودول التحالف العربي بقيادة السعودية، بشكل يجعل من مهمة حسم الصراع عسكرياً والقضاء على الانقلاب مهمة صعبة جداً، وتحتاج إلى جهود مضاعفة في كل الاتجاهات، حتى يتحقق النصر، خاصة بعد فشل كل محاولات الحل السلمي والسياسي للأزمة.
تتعدد أوجه تعقيدات الأزمة اليمنية، خاصة في الجانب العسكري، ذلك أن المعارك في مختلف الجبهات منذ حوالي سنتين تشبه الدوران في حلقة مفرغة، باستثناء تقدم محدود للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في بعض الجبهات، وإذا استمرت المعارك على هذا النحو فإن ذلك يعني أن مدة الحرب ستطول لعشرات السنين.
وبالنسبة للجوانب الأخرى، فالوضع الاقتصادي متردي للغاية، وحالة السخط من قبل المواطنين سواء في المحافظات المحررة أو غير المحررة تتزايد بشكل ملفت، بسبب الأزمة المعيشية وانتشار البطالة وتوقف مرتبات موظفي الدولة وانتشار بعض الأمراض وانعدام الخدمات الأساسية، وكل ذلك يسهم في تعقيد الأزمة، ويجعل الوضع مهيأ لثورة جياع قد تندلع ضد مختلف الأطراف، بشكل يعيد خلط الأوراق وترتيب الأولويات ويجعل من الأزمة معقدة أكثر من ذي قبل.
- تعقيدات الداخل
هناك العديد من الأسباب التي جعلت الأزمة اليمنية معقدة للغاية، بعضها ذات منشأ محلي، والبعض الآخر تتعلق بالدور الخارجي وتأثير طبيعة الصراعات الإقليمية على الصراع في اليمن.
بالنسبة للأسباب ذات المنشأ المحلي، فهي تتعلق بحالة الانقسام والتفتت التي يشهدها المجتمع اليمني بشكل غير مسبوق عبر تاريخه، ذلك أن خطوط الانقسام شملت جوانب كثيرة، مما يجعل من مهمة ردمها عسيرة للغاية، فهناك انقسام جغرافي ومناطقي (شمال - جنوب)، وهناك انقسام سياسي سببه انقسام الأحزاب السياسية بين أحزاب مؤيدة للانقلاب وأحزاب أخرى مناهضة له، وهناك انقسام مذهبي وطائفي تعمل على ترسيخه إيران في اليمن عبر حلفاءها الحوثيين، وهناك انقسام عسكري للجيش اليمني بين ألوية ووحدات عسكرية مناهضة للانقلاب وأخرى مؤيدة له بسبب تكوينها الطائفي والعنصري، وهناك انقسام عنصري وعرقي بين اليمنيين الأصل والوافدين من خارج البلاد الذين يدعون النسب الهاشمي، بالإضافة إلى الانقسام الأيديولوجي المحصور على بعض النخب.
حالة الانقسام والتفتت هذه التي يشهدها المجتمع اليمني بشكل عام برزت بقوة بعد الانقلاب العسكري ضد السلطة الشرعية، كرد فعل بسبب التوجهات العنصرية والمذهبية والمناطقية والقبلية والسياسية للانقلابيين، ذلك أن هذه التوجهات أحيت مختلف خطوط الانقسام في المجتمع اليمني وعمقتها بشكل كبير، فكل فئة لجأت إلى هويتها الثانوية وأحيتها كرد فعل على الهويات الثانوية للانقلابيين، باعتبارها الملاذ الأخير للحشد والتعبئة لمواجهة خطر الانقلابيين، ويأتي ذلك أيضاً بسبب تغييب الانقلابيين للهوية الوطنية الجامعة، فالعنصرية تولد عنصرية مضادة، والتعصب الطائفي يولد تعصب طائفي مضاد، والتعصب المناطقي يولد تعصب مناطقي مضاد، وهكذا.
ورغم أن المجتمع اليمني يبدو في أسوأ حالاته بسبب ما يمر به من تفتت وانقسام، إلا أنه من وسط هذا الركام من التفتت والانقسام يبرز المشروع الوطني الجامع، والحلم ببناء دولة مدنية حديثة، ويشمل هذا الحلم فئات مختلفة من الشعب اليمني، لكن حالة التفتت والانقسام أثرت على سير المعارك ضد الانقلابيين، زاد من تأثير ذلك سيطرة الانقلابيين على كل مقدرات الدولة، خاصة الجيش والعتاد العسكري، وتوجيهها ضد أبناء الشعب، وعدم امتلاك المقاومة الشعبية والجيش الوطني الناشئ للقدرات العسكرية التي يمتلكها الانقلابيون.
- تأثير الخارج
وبالنسبة للعامل الخارجي، فمعلوم أن هناك تآمر إقليمي ودولي لإنهاك دول الخليج وإغراقها في بحر من الأزمات، وربما تقسيمها، لأنها آخر كتلة عربية صلبة ومستقرة تتوسط محيط إقليمي مضطرب، وكان التخطيط للانقلاب في اليمن، ودفع الانقلابيين إلى التهديد المباشر للسعودية، الهدف منه استدراج السعودية للحرب في اليمن بغرض إنهاكها، بعد تدخلها المؤثر في الأزمة السورية بشكل أغضب إيران والغرب، خشية سقوط نظام بشار الأسد، علماً أنه لولا تدخل السعودية وتركيا في الشأن السوري، من خلال دعم وتدريب وتسليح الجيش السوري الحر، لكان الطاغية بشار الأسد قد قضى على معارضيه خلال شهر فقط، ولولا تدخل السعودية ضد الانقلابيين في اليمن، لتمكنوا من السيطرة على البلاد والقضاء على معارضيهم خلال أقل من شهر أيضاً.
ومن أسباب تعقيدات الأزمة اليمنية، أن دول التحالف العربي بقيادة السعودية لم تستطع القضاء على الانقلاب والحسم العسكري المبكر، بسبب الضغوط الدولية الموجهة ضد السعودية بشكل خاص، بغرض ابتزازها، وتحجيم دورها في المنطقة، من خلال اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، وقصف المدنيين، والتغاضي عن جرائم الانقلابيين، وإشغالها بقضايا جانبية، مثل قانون "جاستا"، والضغوط باتجاه الحل السياسي والسلمي للأزمة بدون طرح رؤية للحل، ولكن بهدف إطالة أمد الأزمة، وبالتالي إنهاك السعودية ودول الخليج بشكل عام.
- الخيارات المتاحة
تتعدد الخيارات والوسائل المتاحة أمام دول التحالف العربي بقيادة السعودية للتعامل مع تعقيدات الأزمة اليمنية وبالتالي الحسم العسكري والقضاء على الانقلاب في أقصر فترة زمنية ممكنة مهما كانت التضحيات، خاصة أن المقاومة الشعبية والجيش الوطني غير قادرين على الحسم العسكري بسرعة بدون دعم دول التحالف العربي ولعدم امتلاك العتاد العسكري اللازم لذلك، وفيما يلي أهم الخيارات والوسائل المتاحة:
- أولاً، دراسة جوانب الخطأ والتقصير خلال المرحلة الماضية، وذلك لضمان عدم تكرارها، خاصة من الناحية العسكرية وما يرتبط بذلك من طبيعة جغرافية وتقلب مناخي في مختلف الجبهات.
- ثانياً، الاستعداد الجيد لمعركة الحسم، على أن تكون مدروسة جيداً وسريعة وخاطفة، وأن تشارك في المعركة قوات برية لدول التحالف العربي، وأن تشمل مختلف الجبهات بشكل متزامن، حتى تتشتت جهود الانقلابيين، ذلك أن التركيز على جبهات محدودة يجعل الانقلابيين يتكتلون فيها، حتى تستعصي على السقوط.
- ثالثاً، تكثيف الدعم المادي من حيث السلاح الحديث والفعال للجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بالإضافة إلى الدعم بالخبراء والمدربين وغير ذلك.
- رابعاً، تفعيل ورقة الدبلوماسية بشكل مدروس، وذلك للتقليل من تأثير مواقف الأمم المتحدة وبعض الدول الكبرى التي تعمل على إنقاذ الانقلابيين، وتدعم بقاء ميليشيات الحوثيين كفاعل في المشهد السياسي باعتبارها أقلية مذهبية وعنصرية، وذلك بغرض استخدامها كفزاعة ضد السعودية وورقة سياسية لكبح أي محاولة للتحول الديمقراطي الحقيقي في اليمن.
- خامساً، إدارة المعركة إعلامياً بشكل يسهم في توعية الشعب بمخاطر الانقلابيين، ودفع الفئات التي لم تلتحق بالجيش الوطني أو المقاومة الشعبية للالتحاق بهما في معركة الحرية والكرامة للوطن.
وأخيراً، يجب أن لا تؤثر الضغوط الغربية على دول التحالف العربي على سير المعركة، فهذه الضغوط لا يمكن أن تصل إلى مرحلة التدخل العسكري لصالح الانقلابيين، علماً أن عدم التجاوب مع الضغوط الدولية لن تصل تبعاته إلى ما يمكن أن يصل إليه الحال في حال تم الاستسلام للضغوط وتمكين الانقلابيين من حكم اليمن، وما يمثله ذلك من كوارث على اليمن ومحيطه الإقليمي.