منذ الانقلاب على السلطة الشرعية واندلاع الحرب الأهلية في اليمن، لم تنجح مختلف المبادرات التي طرحت بهدف التهدئة والحل السياسي للأزمة، ورغم ذلك، جددت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، هذا الأسبوع، دعوتهما للتهدئة ووقف إطلاق النار، تزامناً مع تجدد مساعي المبعوث الأممي إلى اليمن، ولد الشيخ أحمد، لاستئناف الحوار، والبحث عن حل سياسي سلمي للأزمة.
من مؤتمرات جنيف 1 وجنيف 2، إلى محادثات الكويت التي استمرت 90 يوماً، وقبلها وبعدها عدة دعوات من قبل أطراف محلية وإقليمية ودولية تدعو للتهدئة والحل السياسي والسلمي للأزمة، فضلاً عن مساعي المبعوث الأممي إلى اليمن، ولد الشيخ أحمد، لكن كل تلك المحادثات والدعوات ذهبت أدراج الرياح، ويبدو أن أي دعوات جديدة من هذا القبيل لا تعدو كونها ملهاة ومضيعة للوقت وإسقاط للواجب.
أسباب الفشل
هناك العديد من الأسباب التي تجعل فرص التهدئة والحل السلمي في اليمن معدومة ومستحيلة، سنوجزها فيما يلي:
- تعقد الصراع: يتسم الصراع في اليمن بتعقد كبير، عصي على الحل، ذلك أن طبيعة الصراع تضرب بجذورها بعيداً في الماضي من جانب، وتتطلع إلى آفاق أوسع في الحاضر والمستقبل، حيث يبدو الصراع بين طرف يريد استعادة حكم الآباء والأجداد الكهنوتي المستبد، وطرف يتطلع إلى مستقبل أفضل تسوده الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ودولة النظام والقانون، والأمر المعقد هنا أنه لا يوجد حل وسط بين الطرفين أو قواسم مشتركة من شأنها تقريب وجهات النظر، بشكل يفضي إلى إيقاف الحرب والتوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف.
- هيمنة البعد الأمني: تركز دعوات التهدئة والحل السياسي كثيراً على الجانب الأمني في الصراع، فأغلب الدعوات تشير إلى إيقاف الحرب فوراً ومساعدة النازحين والمنكوبين بسبب الحرب، ولا تلامس هذه الدعوات لب المشكلة، وأن أشارت إلى ذلك فهي ستتحدث عن شراكة سياسية وحكومة وفاق وطني وانسحاب المسلحين من المدن، ولم يسبق لأي طرف من الأطراف التي قدمت مبادرات للتهدئة والحل السياسي أن تحدث عن قداسة النظام الجمهوري، أو اعتماد الديمقراطية كآلية حديثة للتداول السلمي للسلطة، وليس اغتصاب السلطة عن طريق السلاح، وإقصاء مختلف فئات الشعب، مقابل أن تحكمه فئة عنصرية طائفية ومتخلفة.
- تباين الأهداف: رغم تعدد دعوات التهدئة والحوار السلمي والحل السياسي، لكن تباين أهداف الأطراف التي تدعو لذلك يحول دون تحقيق أي تقدم من هذا القبيل، فمثلاً، تهدف الولايات المتحدة من دعوات التهدئة والحل السلمي إلى التفرغ لمكافحة الإرهاب، والخشية من أن تسهم طول مدة الصراع في انتشار العناصر والجماعات الإرهابية، وما سينجم عن ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية، وتشارك بريطانيا الولايات المتحدة مخاوفها هذه، فيما تركز الأمم المتحدة على الشراكة في السلطة، وانسحاب الميليشيات المسلحة من المدن، وكلا الموقفين يتناقضان مع أهداف الشعب اليمني ودول التحالف العربي من جانب، ويتناقضان مع أهداف الانقلابيين من جانب آخر.
- تداخل ملفات المنطقة: البعد المذهبي والطائفي في مختلف الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية، بسبب دعم إيران لأذرعتها في مناطق الصراع، بغرض إنهاك العرب، واستنزاف الدول العربية السنية الكبرى، مثل السعودية وتركيا، يشكل عائقاً أمام فرص التهدئة والحل السياسي السلمي للصراعات، ذلك أن الأطراف الرئيسية التي أشعلت الصراعات هي الجماعات والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، حيث تطمح إيران إلى إنهاك العرب في صراعات بينية، لتبقى وحدها قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة، بما يخدم مصالحها الاقتصادية والتجارية وطموحاتها السياسية.
- الافتقار للإرادة السياسية: يفتقر أطراف الصراع في اليمن للإرادة السياسية التي تمكنهم من تجاوز خلافاتهم واللجوء إلى التهدئة والحلول السياسية، فمن جانب، لا يستطيع الانقلابيون القبول بالحلول السياسية والتهدئة، رغم شعورهم بأن الانقلاب مصيره الفشل لا محالة، لكنهم يسيرون وفق ما تمليه عليهم إيران. ومن جانب آخر، تفتقد السلطة الشرعية للإرادة السياسية بسبب عدم امتلاكها للقدرات العسكرية التي تمكنها من القضاء على الانقلاب في أسرع وقت، أو إجبار الانقلابيين على الرضوخ للحل السياسي تحت سطوة القوة العسكرية. كما أن الضغوط التي تواجهها دول التحالف العربي من قبل الدول الغربية أفقدت التحالف إمكانية الحسم العسكري في أسرع وقت مهما كانت الخسائر، وهذا الأمر شجع الانقلابيين على التمادي وعدم القبول بالحلول السياسية، حيث شعروا أن موقف الدول الغربية يبدو وكأنه مساند لهم.
- تراجع دور الأمم المتحدة: يشكل تراجع دور الأمم المتحدة على الصعيد العالمي أحد أسباب فشل الدعوات للتهدئة والحل السياسي والسلمي لمختلف الأزمات في العالم وليس في اليمن وحدها، فرغم القرارات التي أصدرها مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، والتي نصت على انسحاب الميليشيات المسلحة من المدن، وتسليم سلاحها للسلطة الشرعية، وغيرها من القرارات التي صدر أحدها تحت الفصل السابع، والتي تخول المنظمة الدولية التدخل العسكري ضد رافضي تنفيذ قراراتها، لكن الواضح أن قرارات الأمم المتحدة تسير في وادٍ، وتحركاتها على أرض الواقع تسير في وادٍ آخر، لدرجة أنه يبدو للمراقب وكأن الأمم المتحدة تعمل في الواقع ضد قراراتها، وهذا يعني أنها مجرد أداة في يد الدول الكبرى، تسيرها بالشكل الذي يخدم مصالحها، خاصة ما يتعلق بسياسة فكفكة الشعوب وتمزيقها، وتمكين الأقليات الطائفية والعرقية سياسياً وعسكرياً بغرض استخدامها كأدوات لنخر الشعوب العربية من الداخل.
نتائج الفشل
تحمل نتائج فشل مختلف مبادرات التسوية والحل السياسي والسلمي للأزمة في اليمن بعدين، الأول سلبي، والآخر إيجابي. أما السلبي، فيتمثل في أن هذا الفشل سيكون البديل عنه طول أمد الصراع، وما سينجم عنه من خسائر وضحايا مدنيين وإنهاك للدولة والمجتمع بشكل عام. وأما الإيجابي، فيتمثل في أن هذا الفشل، حتى وإن كان البديل عنه هو طول أمد الصراع، إلا أن النتيجة ستكون بما يحقق ولو الحد الأدنى من مطالب الشعب، ذلك أن أي تهدئة مرحلية أو تقاسم للسلطة مع الانقلابيين يعني ترحيل الأزمة، والتمكين للانقلابيين بإعادة ترتيب صفوفهم والانقضاض مجدداً على السلطة بقوة السلاح.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن أعظم سلاح في المعركة التي تشهدها اليمن حالياً هو سلاح الوعي بخطر الانقلابيين ومشروعهم السياسي الظلامي المتمثل في استعادة نظام حكم الإمامة العائلي والعنصري والطائفي الهمجي والمستبد، وبالتالي، سواء طالت مدة الحرب أم قصرت، وسواء انتهت الحرب عن طريق الحل السياسي أو الحسم العسكري، ومهما اختلفت أهداف اللاعبين الإقليميين والدوليين أو اتحدت مع أهداف الشعب اليمني، فالشعب اليمني لن يرضى بأقل من إسقاط الانقلاب، والحفاظ على النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي القائم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وبناء الدولة المدنية الحديثة، وسيقدم الأحرار من أبناء الشعب التضحيات تلو التضحيات حتى تتحقق الأهداف التي يطمحون لها.