دلالات كثيرة يحملها الهجوم الأخير الذي نفذه الانقلابيون بواسطة صاروخين واستهدف مدمرة أمريكية في المياه الإقليمية اليمنية بالقرب من باب المندب، لكنها لم تصب، ومن قبل استهداف سفينة مساعدات إماراتية، وتهديدهم باستهداف أي سفينة تمر من مضيق باب المندب بدون ترخيص منهم، وما أحدثه ذلك التصعيد من ردود أفعال دولية ملفتة، وأخذ تهديدات الانقلابيين على محمل الجد.
التصعيد في باب المندب يحمل بصمات السياسة الإيرانية، فكما هو معتاد، فقد كانت إيران تهدد دوماً بإغلاق مضيق هرمز كلما اشتدت وتيرة أزمتها مع المجتمع الدولي بسبب برنامجها النووي، نظراً لأهمية مضيق هرمز من الناحية الاقتصادية بالنسبة للدول الغربية ودول الخليج، كون معظم صادرات نفط الخليج تمر من خلاله، علماً أن مضيق باب المندب يشكل أهمية للتجارة الدولية أكثر من مضيق هرمز.
والسؤال هنا: لماذا أوعزت إيران لحلفائها الحوثيين والمخلوع علي صالح بالتصعيد في باب المندب؟ وما هي المكاسب التي ستجنيها وسيجنيها حلفاؤها من هذا التصعيد؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا التصعيد على الحرب في اليمن وحالة الاضطراب في الشرق الأوسط بشكل عام؟.
تجدد الخطر
كانت المخاطر التي تهدد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب قد لاحت مع بدء الحرب الأهلية عقب انقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية ومخرجات الحوار الوطني، وكانت هذه المخاطر سبباً في تدخل دول عربية إلى جانب السعودية، لشعورها بالخطر، كونها تشرف على مضايق بحرية مهمة لا تقل أهمية عن مضيق باب المندب، وإذا تم إغلاق مضيق باب المندب فإنها ستخسر كثيراً جراء ذلك، كون التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب تمر عبر موانئها أيضاً، وهذه الدول هي مصر، التي تشرف على مضيق قناة السويس، والمغرب، التي تشرف على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق.
وقبل بدء الحرب، كان مسؤولون مصريون قد صرحوا أكثر من مرة أنهم لن يسمحوا لميليشيات الحوثيين بتهديد طريق الملاحة الدولية المار عبر مضيق باب المندب، وألمح بعضهم إلى الاستعداد للتدخل العسكري قبيل البدء بعملية "عاصفة الحزم"، كون عائدات قناة السويس تشكل أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد المصري، خاصة وأن المضايق البحرية تخضع لقوانين دولية لارتباطها بالمصالح الاقتصادية للكثير من البلدان، وبالتالي لا يمكن للمجتمع الدولي التساهل مع تهديدات من هذا القبيل.
ومع تزايد تهديدات الانقلابيين الصريحة ضد طريق التجارة الدولية، كانت مهمة تحرير مضيق باب المندب من سيطرتهم من أولويات قوات التحالف العربي والجيش الوطني، وتم ذلك في أكتوبر 2015، لكن المخاطر عادت مجدداً بعد أن هاجم الانقلابيون سفينة مساعدات إماراتية مؤخراً في باب المندب بواسطة صاروخ إيراني الصنع، ثم استهداف مدمرة أمريكية، وتهديد بعض قياداتهم باستهداف أي سفينة تمر من مضيق باب المندب بدون أن تحصل على ترخيص منهم.
بصمات إيرانية
وبما أن الهجوم الذي طال كل من السفينة الإماراتية والمدمرة الأمريكية يحمل البصمات الإيرانية، سواء من الناحية الاستراتيجية، كون التهديد بإغلاق المضايق البحرية ورقة ضغط إيرانية معروفة، أو أن الصواريخ المستخدمة في الهجوم صنعت في إيران، والقدرات الاستخباراتية التي سهلت للهجوم إيرانية أيضاً، فقد دفع ذلك قوات التحالف العربي والمجتمع الدولي لأخذ التهديدات على محمل الجد، فقيادات التحالف العربي وقوات الجيش الوطني أعلنت أنها ستقوم بتحضيرات عسكرية للقيام بعملية عسكرية واسعة على الساحل اليمني من باب المندب جنوباً إلى ميدي شمالاً، والولايات المتحدة أعلنت إرسال ثلاث بوارج حربية مدمرة للصواريخ الموجهة إلى باب المندب فور استهداف سفينة المساعدات الإماراتية.
التصعيد في باب المندب جاء بعد أن تم نقل البنك المركزي إلى عدن، وكثافة الغارات الجوية للتحالف العربي ضد مواقع الانقلابيين، واشتداد وتيرة المعارك في مختلف الجبهات، وعدم قدرة الانقلابيين على تحقيق أي تقدم، وتقدم الجيش والمقاومة الشعبية في بعض الجبهات، وازدياد الغضب الشعبي ضد الميليشيات الانقلابية في المناطق التي يسيطرون عليها بسبب توقف رواتب الموظفين.
وتحت هذه الضغوط، وضغوط أخرى يواجهها حلفاء إيران في العراق وسوريا ولبنان، أوعزت إيران لحلفائها في اليمن بفتح جبهة جديدة في مضيق باب المندب، بغرض خلط الأوراق، وجذب أنظار المجتمع الدولي إلى اليمن، ربما بغرض تحويل اليمن إلى ساحة صراع دولية، على غرار سوريا، في حال نجح الانقلابيون في قطع طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب.
ماذا بعد؟
في الحقيقة، لقد وصلت رسالة إيران للمجتمع الدولي، ولقيادة التحالف العربي، وبما أن السيطرة على البحار والمضايق البحرية تشكل أبرز مطامع القوى المتصارعة في العالم، فإن إيران تطمح بتحويل اليمن إلى ساحة صراع دولية، إلا أنه من الناحية العملية، يبدو ذلك مستحيلاً، فرغم أن الأساطيل الأمريكية منتشرة في كل البحار والمحيطات تقريباً، وخاصة بالقرب من المضايق البحرية وطرق التجارة الدولية، إلا أنه لم تبرز بعد خلافات بين الدول الكبرى من هذا القبيل.
وحتى في حال تمكن الانقلابيون في اليمن من قطع طريق التجارة الدولية المار عبر مضيق باب المندب، من خلال استهداف مختلف السفن المارة عبر المضيق، فإن ذلك سيكون بشكل مؤقت، وسيتمكن التحالف العربي والجيش الوطني، وربما بمساندة فعلية من دول غربية، من طرد الانقلابيين من الساحل اليمني الغربي، وتأمين طريق التجارة الدولية، وتكثيف المراقبة هناك، وكل ذلك لا يصب في مصلحة الانقلابيين، ولا مصلحة حليفتهم إيران.
وفي حال تأكد لإيران فشل هذا السيناريو، أي تحويل اليمن إلى ساحة صراع دولية بشكل يمكنها من التدخل العسكري بسهولة لمساعدة حلفائها، فهل هناك سيناريو بديل تعده لحلفائها بغرض إنقاذهم من فشل مؤكد، لأن فشلهم في هذه المرحلة يعني فشل المشروع الفارسي في جنوب الجزيرة العربية إلى الأبد، والسؤال: ماذا سيكون السيناريو البديل القادم، خاصة وأن اليمن تحتل أهمية خاصة بالنسبة لإيران من الناحية العقائدية، حيث يعتقد الشيعة الإثنى عشرية أن المهدي المنتظر سيظهر في اليمن، وسيكون اسمه "حسين".