ينظر كثير من المتابعين لجبهة نهم، على مشارف العاصمة صنعاء، على أنها تشكل تحولاً إستراتيجياً في ميزان الصراع الدائر منذ حوالي عام ونصف بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة، وتحالف الانقلابيين (المخلوع صالح والحوثيين) من جهة أخرى، وتصف السلطة الشرعية المعارك في نهم بأنها تأتي ضمن خطة تحرير العاصمة صنعاء.
تكتسب جبهة نهم أهميتها من كونها تقع على مشارف العاصمة صنعاء من جهة الشرق، وتشهد مواجهات شرسة ومتقطعة أحياناً، منذ حوالي تسعة أشهر، غير أنه لم يتمكن أي طرف من إحراز تقدم كبير على الأرض، ويتكبد الطرفان خسائر فادحة في الأرواح، خاصة الانقلابيين، الذين يستميتون في محاولة استرداد المواقع التي سيطرت عليها المقاومة الشعبية والجيش الوطني، ويستميتون في البقاء في مواقعهم التي تتعرض لغارات متفرقة من طائرات الأباتشي التابعة لدول التحالف العربي.
اختراق عسكري
ﺑﺪﺃﺕ معركة نهم ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ 2015 ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻧﻬﻢ (40 ﻛﻢ ﺷﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺻﻨﻌﺎﺀ)، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن ﺳﻴﻄﺮت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺴﻜر "ماس" ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﺤﺎﻓﻈﺘﻲ ﺍﻟﺠﻮﻑ ﻭﻣﺄﺭﺏ، ﻭﺍﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻧﻬﻢ، ثم توغلت هذه القوات ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺄﺭﺏ ﻭﺍﻟﺠﻮﻑ ﺩﺍﺧﻞ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻧﻬﻢ، ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻄﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺟﺒﻞ "ﺍﻟﻠﺪﻭﺩ" ﺛﺎﻟﺚ ﺟﺒﻞ ﻣﻄﻞ ﻋﻠﻰ "فرضة ﻧﻬﻢ"، ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻬﺎ ﻋﺪﺓ ﺃﻟﻮﻳﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ موالية للانقلابيين، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 312 ﻣﺪﺭﻉ، ﻭﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 314 ﻣﺪﺭﻉ.
وفي فبراير 2016، تمكن الجيش الوطني والمقاومة من السيطرة على معسكر اللواء 312 مدرع. وﻓﻲ 6 ﺃﻏﺴﻄﺲ 2016، أعلن ﺍلجيش الوطني والمقاومة تمكنهما ﻣﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺃﺑﺮﺯﻫﺎ ﺟﺒﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ ﻧﻬﻢ ﻭﻗﺮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻮﻝ ﻭﺟﺒﻞ ﺍﻟﻘﻨﺎﺻﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﻥ. وجاءت هذه الانتصارات بعد فشل مفاوضات الكويت، وإعلان الانقلابيين لما أسموه "تشكيل مجلس سياسي" لإدارة البلاد، بحسب توصيفهم.
في الحقيقة، تعتبر جبهة نهم، والسيطرة على مواقع مهمة فيها من قبل المقاومة والجيش الوطني، أهم اختراق عسكري منذ بداية الحرب، كونه أفزع الانقلابيين، ودفعهم ذلك في البداية إلى سحب بعض مقاتليهم من جبهات أخرى، من بينها جبهة تعز، وحشدهم إلى جبهة نهم، ثم حشد المزيد من المقاتلين تباعاً في الأيام التي تلت ذلك، وما زال الحشد قائماً حتى الوقت الحالي.
وهناك بعض العوامل التي ساعدت المقاومة والجيش الوطني على تحقيق هذا الاختراق، منها، الموقع الجغرافي لمنطقة نهم بين صنعاء ومأرب، وعندما تمكنت المقاومة والجيش الوطني من تحرير معظم محافظة مأرب، كان التقدم غرباً باتجاه العاصمة صنعاء هو الخيار الأسهل في حينه لتحقيق هذا الاختراق المهم، خاصة وأن معنويات المقاومة والجيش الوطني كانت مرتفعة جداً بعد سلسلة الانتصارات التي تحققت في معظم محافظة مأرب.
صحيح أن هذا الاختراق العسكري أفزع الانقلابيين، ولعب دوراً دعائياً كبيراً في حينه لصالح المقاومة والجيش الوطني في مختلف الجبهات، نتيجة التمكن من السيطرة بسرعة على مواقع مهمة فشل الانقلابيون في استردادها. لكن ما مدى صحة القول بأن جبهة نهم هي البوابة لتحرير العاصمة صنعاء، خاصة وأن المنطقة تتسم بتضاريسها الوعرة، وجبالها الشاهقة، ووديانها المبعثرة التي زرعها الانقلابيون بالألغام، والمواجهات الدائرة هناك تتم غالباً بواسطة الأسلحة الخفيفة، نظراً لصعوبة نقل المعدات العسكرية الثقيلة بسبب وعورة التضاريس.
منذ بدء المعارك في جبهة نهم، منذ حوالي تسعة أشهر، والمحللون السياسيون والعسكريون الذين يتحدثون في الفضائيات يؤكدون على أهمية هذه الجبهة في تحرير العاصمة صنعاء، دون دراية بالواقع، أو الاستناد إلى نظريات عسكرية حديثة، أو الاستفادة من دروس التاريخ والقياس عليها، ولكنهم يرددون نفس التصريحات الصادرة عن قيادات عسكرية وقيادات في المقاومة حول هذه الجبهة، والتي قد تكون مدروسة ولها مغازي أخرى، كون هذه القيادات أكثر من يدرك صعوبة تحرير العاصمة صنعاء انطلاقاً من نهم، بسبب صعوبة تضاريسها، ووجود طرق سهلة وبديلة وأقل كلفة لتحرير العاصمة.
خسائر فادحة
تعتبر الحروب في المناطق الجبلية والوعرة من أكثر الحروب خسارة دون تحقيق أي هدف مهما طالت مدتها الزمنية، وهناك العديد من الأمثلة من عصور تاريخية مختلفة تؤكد هذه الحقيقة التي يجب أخذها في الحسبان عند الحديث عن جبهة نهم واعتبارها نقطة انطلاق لتحرير العاصمة صنعاء.
في ربيع عام 219 ق. م. فقد القائد القرطاجي حنبعل كثيراً من جنوده في حربه على روما، بسبب وعورة التضاريس وسوء المناخ، رغم أنه لم يواجه الروم في تلك الجبال، ورغم أنه انتصر فيما بعد، لكن كانت خسائره البشرية فادحة بسبب وعورة التضاريس.
وفي عام 1812، فشلت حملة القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت على روسيا، وكان من بين أسباب فشله وعورة التضاريس الجبلية التي أنهكت الجنود الفرنسيين، وتكبد جيش نابليون 380 ألف قتيل، و100 ألف أسير، وعاد يجر أذيال الهزيمة، بسبب وعورة التضاريس، والبرد والجوع، وأسلوب الروس في المواجهة، الذين كانوا يحرقون المدن وينسحبوا منها، من أجل إنهاك جيوش نابليون في ملاحقتهم عبر التضاريس الوعرة، ولم يواجهوه إلا وهو منهك وخائر القوى هو وجيشه.
وفي العصر الحالي، عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن القضاء على حركة طالبان الأفغانية بسبب انسحابها من المدن وتمترسها في الجبال الشاهقة. ورغم هذه الدروس المستقاة من التاريخ، لكن هناك من يصر على أن تحرير العاصمة صنعاء سيتم انطلاقاً من جبهة نهم، ذات التضاريس الوعرة، التي لا تسمح بالمرور للمعدات العسكرية الثقيلة التي تلعب دوراً في ترجيح كفة الصراع، من خلال السيطرة القوية على الأرض، والحفاظ على الانتصارات.
أخيراً، أعتقد أن قيادات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، والقيادات العسكرية للتحالف العربي، يدركون صعوبة تحرير العاصمة صنعاء انطلاقاً من مديرية نهم، خاصة وأن البدائل المتوفرة سهلة وكثيرة، لكنهم مستمرون في تلك الجبهة، لتكون بمثابة فزاعة وورقة ضغط على الانقلابيين من جهة، وملهاة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية المتحمسون لتحرير العاصمة صنعاء من جهة أخرى، وذلك مراعاة لضغوط أمريكية وغربية تعترض على حسم المعركة عسكرياً والسيطرة على صنعاء، وتدفع باتجاه المفاوضات السلمية والحل السياسي للأزمة.