احتفل بعض قادة حزب المؤتمر الشعبي العام (جناحا المخلوع صالح والرئيس هادي) بالذكرى الرابعة والثلاثين لتأسيس الحزب، والتي تصادف يوم 24 أغسطس من كل عام، وسط انقسامات سياسة حادة بين أجنحة الحزب، أسهمت في تفكيك الحزب منذ انطلاق ثورة فبراير 2011 وحتى الوقت الحالي، وتحوله من مظلة للفاسدين إلى ميليشيات انقلابية، وسط محاولات من جناح الرئيس هادي في الحزب لإعادة ترميمه وتأهيله بعيداً عن جناح المخلوع علي صالح في الحزب.
والمتأمل في مسيرة حزب المؤتمر، منذ تأسيسه في 24 أغسطس 1982 وحتى الوقت الحالي، سيجد أنها تعكس هشاشة الثقافة السياسية والحزبية في اليمن، بداية من تأسيس الحزب كتحالف سياسي لمختلف المكونات السياسية في شمال الوطن، مروراً بانفراده بالسلطة وتحوله إلى مظلة للفاسدين، وانتهاء بحالة التفكك التي شهدها، وتحوله إلى ميليشيات طائفية مسلحة.
تحالف سياسي هش
تأسس حزب المؤتمر الشعبي في حقبة زمنية اتسمت بتأسيس أحزاب شمولية واستبدادية حاكمة في بلدان عربية عدة، أي أن الحزب لم يتأسس في مناخ ديمقراطي تعددي، وهو ما أثر على السلوك السياسي للحزب في المراحل التالية. كما أن الحزب تأسس في وقت كان فيه النظام الحاكم يحظر تشكيل الأحزاب السياسية، وأي أنشطة أخرى ذات طابع ديمقراطي، كحرية الرأي والتعبير، وكل ذلك يعني أن الحزب أظهر ملامح شموليته منذ الأيام الأولى لتأسيسه كحزب حاكم.
كان الهدف من تأسيس حزب المؤتمر ليكون بمثابة تحالف سياسي يضم مختلف القوى السياسية (الأيديولوجية) في شمال الوطن، لمواجهة تغول الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب، ومحاولة تمدده إلى شمال الوطن، من خلال بعض الحركات اليسارية، لكن الحزب لم ينجح في احتواء بعض الحركات السياسية، ولم يسمح لها بالأنشطة العلنية، ولم يستوعبها في مؤسسات الدولة، باستثناء عدد محدود من الإسلاميين، وظل الطابع السري للعمل السياسي هو السبيل الوحيد لتحافظ بعض الحركات على جماهيرها، بعيداً عن أعين السلطات، لتجنب قمعها واستبدادها.
ورغم أن المؤسسين الفعليين للحزب هم العلماء الذين صاغوا الميثاق الوطني ليكون الدليل النظري والفكري للحزب (ينتمي بعضهم للإخوان المسلمين)، إلا أن علي صالح احتكر فيما بعد صفة المؤسس الوحيد للحزب، وهمش الميثاق الوطني، وتحول حزب المؤتمر إلى مظلة للفاسدين والباحثين عن المصالح، كما تحول إلى وسيلة لصناعة النفوذ والوجاهات، وتمدد العلاقات الزبائنية للمخلوع علي صالح، وبالتالي، تحول الحزب من تحالف سياسي يضم مختلف القوى السياسية، إلى تحالف عسكري وقبائلي موالي لعلي صالح وعائلته، الهدف منه ترسيخ نفوذ العائلة الحاكمة، وبالتالي إفساد الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام.
مظلة للفاسدين
كان من الشروط التي تم الاتفاق عليها بين الحزبين الحاكمين في شمال الوطن وجنوبه (المؤتمر والاشتراكي) من أجل إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، اعتماد النظام الديمقراطي التعددي، والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وحرية الرأي والتعبير.
وبعد الإعلان عن تحقيق الوحدة مباشرة، انسحبت مختلف القوى السياسية من تحالف حزب المؤتمر، لتشكل كلٌ منها حزبها الخاص بها. ومن الناحية المنطقية، كان يفترض الإعلان عن وفاة هذا التحالف، كون الفئات التي تشكل منها انسحبت وشكل كل ٌ منها حزبها الخاص بها، لكن علي صالح أبقى على حزب المؤتمر، وحوله من تحالف سياسي إلى تحالف قبائلي وعسكري، ومنح مشائخ القبائل مناصب عسكرية ومدنية، وحرص على أن يكون مرشحوه في الانتخابات من مشائخ القبائل أيضاً.
كما أن الانتساب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية كان يتم في أغلب الأحوال عن طريق تزكية مشائخ القبائل، أبرز مثال على ذلك، قوات "الحرس الجمهوري"، بل فبعض الوظائف المدنية كانت تمنح بوساطة مشائخ القبائل، وأسندت معظم المناصب القيادية في الحزب إلى مشائخ القبائل، وتم استحداث مشائخ جدد، وتزويدهم بالمرافقين والرواتب الباهظة لسد النقص في عدد المشائخ، وتم إنشاء ما أطلق عليها "مصلحة شؤون القبائل"، وخصص لها ميزانية ضخمة تفوق كثيراً الميزانية الخاصة بقطاعات خدمية هامة، كالتعليم والصحة والكهرباء وغيرها.
وشكلت براجماتية حزب المؤتمر، وافتقاده إلى أيديولوجيا أو برنامج سياسي محدد، فرصة للانتهازيين الباحثين عن مصالح شخصية من المستقلين، وبعض ممن كانوا ينتسبون إلى أحزاب أخرى، للانتساب إلى حزب المؤتمر، وبعضهم منحوا مناصب قيادية في الحزب، وهكذا، تحول حزب المؤتمر إلى مظلة للفاسدين، وغول ضخم التهم إمكانيات ومقدرات الدولة المختلفة، واتكأ عليها في مختلف المحطات الانتخابية، وسخر المال العام والإعلام العام والمؤسسة العسكرية والأمنية في التأثير على نتائج الانتخابات، وأفسد الحياة السياسية والديمقراطية برمتها، وجعل من الديمقراطية مجرد ديكور لتجميل وجهه القبيح، ولجلب المساعدات المقدمة من منظمات دولية داعمة للديمقراطية.
لم يفسد حزب المؤتمر، بقيادة علي صالح، الحياة السياسية والديمقراطية فقط، ولم يحطم أحلام اليمنيين في الرفاه والازدهار الاقتصادي والمعيشي فقط، بل فقد فعل ما هو أسوأ من ذلك، حيث نسف مفهوم الدولة من أساسه، وغابت فكرة الدولة بشكل عام، وحول نظام الحكم من نظام ديمقراطي تعددي إلى نظام قبائلي بحت، لدرجة أن الدولة ذاتها نافست القبيلة في أعرافها، مثل مفهوم "التهجير" بالبهائم، لتحل الأعراف القبائلية محل مفهوم سيادة القانون، وأصبح حزب المؤتمر حزب قبائلي بامتياز، وعمل علي صالح على تعزيز دور القبيلة، وأحيا الثأرات القبائلية، وزرع الفتن بين القبائل المختلفة، وعادت اليمن إلى مرحلة ما قبل الدولة.
التفكك والتحول إلى ميليشيا
بدأت مرحلة تفكك حزب المؤتمر بعد مجزرة جمعة الكرامة في ساحة التغيير بصنعاء (18 مارس 2011)، التي ارتكبها بلاطجة المخلوع علي صالح، فعلى إثر المجزرة، أعلن بعض قادة حزب المؤتمر، وبعض ممثليه في البرلمان، استقالتهم من الحزب، والبعض أعلنوا انضمامهم إلى الثورة الشعبية السلمية ضد صالح وعائلته.
وبعد توقيع المخلوع صالح على المبادرة الخليجية، وتعيين عبدربه هادي رئيساً مؤقتاً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، انقسم ما تبقى من حزب المؤتمر إلى جناحين، أحدهما يتبع الرئيس هادي، والأخر يتبع المخلوع علي صالح، وبدأت الصراعات بين جناحي الحزب تظهر إلى العلن بعد تكليف الرئيس هادي لخالد بحاح بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة باسندوة، في نوفمبر 2014، حيث رفض جناح المخلوع صالح المشاركة في الحكومة، وشارك فيها مؤتمريون من جناح هادي، ورد جناح المخلوع صالح بإقالة الرئيس هادي من منصبه كنائب لرئيس الحزب وأميناً عاماً له.
ومع أن اللائحة الداخلية لحزب المؤتمر تنص على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب، لكن المخلوع صالح تشبث برئاسة الحزب، ليتخذ منه واجهة للتأثير في الحياة السياسية، رغم أنه يفترض أن يكون الرئيس هادي رئيساً للحزب، بحسب لائحته الداخلية، بصرف النظر عن غرابتها، وكان هادي يشغل منصب النائب الأول لرئيس الحزب، وأمينه العام، الذي بيده صلاحيات إدارة الحزب مالياً وتنظيمياً منذ نوفمبر 2008.
وبعد عملية "عاصفة الحزم"، أحال جناح المخلوع صالح في الحزب قيادات الحزب التي غادرت إلى الرياض إلى الرقابة التنظيمية. ومن جانبها، عينت اللجنة العامة للحزب -من الرياض- الرئيس هادي رئيساً للحزب، في 22 أكتوبر 2015، وأصدرت قراراً بعزل المخلوع صالح ومن معه، وإحالتهم إلى المحاسبة التنظيمية في الحزب "على ما ارتكبوه من جرائم في حق الشعب اليمني، وما ألحقوه من أضرار جسيمة بحق الوطن، ووحدته الاجتماعية، وبحق التنظيم الذي منحهم ثقته"، بحسب ما ورد في بيان اللجنة العامة للحزب.
لم يبالِ المخلوع صالح بقرار اللجنة العامة للحزب القاضي بعزله، واستمر في ممارسة السياسة بصفته رئيساً للحزب، رغم أنه لم يبقِ معه في جناحه سوى حلفائه القبائليين والعسكريين، وبالتالي، تحول جناح المخلوع صالح في الحزب إلى ميليشيات طائفية، بعضها اندمجت في ميليشيات الحوثيين، والبعض الآخر تقاتل تحت لافتة حزب المؤتمر، رغم أنها ميليشيات طائفية وقبائلية ومناطقية، لا علاقة لها بالحزبية والعمل السياسي.