[ مليشيا الحوثي - أرشيفية ]
سلط تقرير حديث الضوء على الوضع الأمني في اليمن خلال عامي 2021 و 2022 ، مركزاً على دور أطراف الصِّراع في المشهد الأمني.
وقال تقرير "الوضع الأمني في اليمن" الذي أصدره مركز المخا للدراسات في إطار تقريره الاستراتيجي الأوَّل الذي تطرَّق للأوضاع اليمنية بمختلف أبعادها خلال الفترة الماضية ان الحرب في اليمن قد خلقت أوضاعًا أمنية سيئة في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًّا، ومناطق سيطرة جماعة الحوثي، وكان للطَّرفين يد في ذلك، فضلًا عن العوامل الأخرى السَّائدة في أثناء الظُّروف العادية.
الوضع الأمني في مناطق نفوذ الحكومة
أشار التقرير إلى أن تحسَّن الوضع الأمني في المحافظات الجنوبية الخاضعة للقوى الموالية للرَّئيس السَّابق هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي خلال الأشهر الثَّلاثة الأولى من عام 2021 كان نتاجاً طبيعياً لعودة الحكومة إلى عدن وشروعها في القيام بوظائفها قبل أن تصطدم بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أحبط أيَّ نشاط لها.
واتهم التقرير مجلس الرئاسة بالعجز امام النفوذ المسلح المسيطر على العاصمة المؤقتة عدن وانه لم يتمكَّن من إحداث أي فارق عمَّا سبق، بسبب تعارض الأجندات وانعدام الثّقِة إزاء الحلول المطروحة بشأن القضايا الخلافية الكبيرة التي ينبغي تأجيلها، والالتفات إلى قضايا السَّاعة التي من بينها القضية الأمنية.
وقال التقرير ان الأوضاع الأمنية تعقدت في عدن وحضرموت في عامي 2021 و 2022 ، بتأزُّم العلاقة بين الأطراف المتصارعة داخل الحكومة المعترف بها دوليًّا، وشيوع الجريمة، خصوصًا تلك التي طالت السِّياسيِّين والقادة العسكريين والأمنيين، وغيرهم من نُخب المجتمع، فضلاً عن مظاهر أخرى لاختلالات أمنية، حدثت في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، سواء في عدن أم غيرها، وطال بعضٌ منها عسكريّيِن، وأمنيِّين، وصحافيين ونحوهم، على خلفيَّات متباينة، لكنَّها، في الِنّهاية، تعبّر عن إخفاق كبير في أداء الأجهزة الأمنية.
ويرى التقرير ان تضافر الجهود بين مختلف الأجهزة الأمنية التَّابعة للسُّلطات المحلّيِة، وخضوعها لوزارة الدَّاخلية في الحكومة جعل من محافظات حضرموت، والمهرة، وشبوة، ومأرب، أكثر المناطق شعورًا بالاستقرار، واستتبابا للأمن الدَّاخلي.
وبحسب التقرير فقد كان واضحًا أنَّ لجماعة الحوثي الدَّور الأبرز في إرباك المشهد الأمني، بجانب المصادر العدائية الأخرى، في عموم مناطق نفوذ الحكومة، ويمثّلِ ذلك إسقاطًا لاستراتيجية حربية وأمنية تُعرف ب «التَّخريب في أرض العدو »، عادة ما تنفّذِها شبكات من العملاء، بجانب دور التَّحريض على مسؤولي السُّلطات وأجهزتها التَّنفيذية، لخلق تباين أمني صارخ بين مناطق الصِّراع تنعكس آثاره على اتّجِاهات الجماهير إزاء الأطراف المناوئة.
الوضع الأمني في مناطق النفوذ الحوثي
اعتبر التقرير أن القبضة البوليسية التي تفرضها جماعة الحوثي في مناطق سيطرتها، وعدم وجود كيان أو كيانات مسلَّحة متنافسة، تثير الصِّراعات فيما بينها، تشير إلى أن الوضع الأمني هناك أقلُّ سوءًا من مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًّا، التي تُنازع أجهزتها الأمنية أكثر من جماعة مسلَّحة، إلا أن الجرائم ذات الطَّابع الجنائي، في اطّرِاد كبير؛ مشيراً إلى وقوع نحو 1500 جريمة جنائية في ثلاث محافظات (إب ، ذمار، الضالع) خلال شهر واحد توزَّعت كلُّها بين القتل العمد، والشُّروع فيه، والقتل الخطأ، وحيازة المخدِّرات، وترويجها، وتعاطيها.
ويعتقد التقرير أن الاختلالات الأمنية في مناطق سيطرة جماعة الحوثي مثلت نتاجًا متوقَّعًا لسياسة القمع المتَّبعة في هذه المناطق واختلال معادلة الحقوق والواجبات، واسهام هذه الاختلالات في شيوع الفساد في المؤسَّسات الرَّسمية، والصِّراع النَّاعم بين أجنحة الجماعة، وغياب الحلول الجوهرية لمشكلات الحقوق، بل مضاعفتها بفرض مزيد من التَّضييق.
كما تزداد الحالة الأمنية سوءًا بفساد مَن يُطلق عليهم المشرفون، (عطَّلت سلطتُهم دور أجهزة الدَّولة وقوانين البلاد) وهم مَن يراقبون الحوكمة الأمنية والإدارية في عواصم المحافظات، ومراكز المديرِّيات التَّابعة لها، وبلوغ نفوذهم وظائف السُّلطة القضائية ويستمدُّون قوَّتهم من قدرتهم على الوصول إلى زعيم الجماعة، عبد الملك بدر الدِّين الحوثي، وارتباطهم الوثيق بعضو الجماعة، الأقوى والأبرز، في المجلس السِّياسي الأعلى، محمَّد علي الحوثي.
وفي السِّياق ذاته، استحدثت جماعة الحوثي في هيكلها أجهزة أمنية واستخبارية متَّصلة بزعيم الجماعة، ضاقت معها حرِّية التَّعبير عن الرَّأي، وافرزت الكثير من حالات العنف، سواءً العنف الذَّاتي، مثل: جريمة الانتحار، أم العنف الموجَّه نحو أفراد المجتمع، مثل: القتل، والاغتصاب، والاختطاف، والسَّرقة، وترويج المخدِّرات.
وخلص التقرير إلى ان الأوضاع الأمنية المنفلتة في مناطق أطراف الصِّراع في اليمن تشير إلى أنَّ العملية الأمنية تواجه مجموعة تحدِّيَّات معقَّدة قد تمتدُّ إلى المستقبل، ما لم تُستغل الفرص المتاحة في مواجهتها إلى أن تضع الحرب أوزارها، ويحلَّ السَّلام الشَّامل والكامل في عموم البلاد.
كما ان تنوَّع التَّحدِّيات الأمنية بين سياسية، وإدارية، واقتصادية، واستمرار الحرب وارتهان أطرافها الدَّاخلية للخارج مثلت إطارًا عامًّا لهذه التَّحدِّيَّات، وبتداخل ذلك مع خضوع البلاد لطيفٍ من السُّلطات الأمنية المتعارضة، وشيوع الخلافات العميقة بين كياناتها السِّياسية، وتشكيلاتها المسلَّحة.. فضلاً عن أن بقاء مجلس القيادة الرِّئاسي وجانب من الهيئات العليا التَّشريعية والقضائية ومعظم أعضاء الحكومة، خارج البلاد، أو خارج مدينة عدن التي يفترض أن تكون مقرًّا سياسيًّا مؤقَّتًا لهذه المؤسَّسات والهيئات قد خلق فجوة اتّصِال كبيرة بين مختلف أجهزة الدَّولة وقياداتها العليا، بما فيها الأجهزة والقيادات الأمنية، الشُّرطية والمخابراتية.
وفي ظلِّ استمرار الحرب، وتصلُّب أطرافها إزاء مبادرات السَّلام، فإنَّ معظم التحدِّيَّات الأمنية، التي سبق الإشارة إليها، ستظلُّ قائمة، وربما تتضاعف وتتنوَّع.
للاطلاع على المادة الاصلية: هنا