[ مراسم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانتقالي ]
لا تزال جماعة الحوثي متمسكة بموقفها من دعوة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف العجرف، لعقد مشاورات يمنية في العاصمة السعودية الرياض خلال الفترة بين 29 مارس/آذار الجاري و7 أبريل/ نيسان المقبل.
وأعلنت الجماعة في بيان، أنها سترحب بإجراء محادثات مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، لكن المكان يجب أن يكون دولة محايدة، في إشارة إلى رفضها الحضور إلى الرياض، التي ترى الجماعة بأنه "ليس من المنطقي ولا المنصف أن تكون الدولة المضيفة للمحادثات راعية للحرب والحصار".
وقال القيادي في الجماعة، محمد علي الحوثي، في تغريدة على تويتر، إن "ما يثار عن دعوة مجلس التعاون الخليجي للحوار هي في الواقع دعوة الرياض، وهي طرف في الحرب وليست وسيطا".
وفي 17 مارس الجاري، أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف العجرف، عن عقد مشاورات بين جميع أطراف الحرب في اليمن برعاية الأمانة العامة للمجلس، لـ "توحيد الصف ورأب الصدع بين الأشقاء اليمنيين دعما للشرعية اليمنية ولتعزيز مؤسسات الدولة، ولخلق مقاربة تدفع باليمنيين للجلوس مجددا حول طاولة المفاوضات"، حسب قوله، على أن تشمل جميع الأطراف من أجل التوصل لحلول لإنهاء الصراع ورفع المعاناة عن اليمنيين.
وستناقش الأطراف اليمنية ستة محاور، هي: العسكري، والأمني، والعملية السياسية وتعزيز مؤسسات الدولة والإصلاح الإداري والحوكمة، ومكافحة الفساد والمحور الإنساني، والاستقرار والتعافي الاقتصادي.
ووفق وسائل إعلام يمنية، فإن جهودا مكثفة للأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض لعقد مؤتمر شامل للحوار، يدعى إليه نحو 400 شخصية من كبار الساسة والفاعلين والوجهاء وزعماء القبائل من جميع الأحزاب والمكونات السياسية والأطراف المتحاربة، بما في ذلك جماعة الحوثي.
ويسعى مجلس التعاون من خلال المشاورات المنتظرة، إلى حث الأطراف على وقف إطلاق النار، وتفعيل العملية السلمية تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من دول مجلس التعاون الخليجي، لتعزيز مؤسسات الدولة واستعادة الأمن والاستقرار والسلام، وتأكيد موقف مجلس التعاون من أجل إنهاء الأزمة اليمنية سلميا.
ومن المقرر وفق ما صدر عن مجلس التعاون أن تعقد مشاورات الرياض أو ما يعرف باسم "الرياض 2" في موعدها المحدد بين الأطراف التي ستلبي دعوة الأمانة العامة للمجلس، مع احتمالات ضعيفة جدا لحضور وفد يمثل جماعة الحوثي، وهو الطرف الأهم في الحرب، والذي يمتلك إلى حد ما قرار الحرب والسلم.
لذلك لا يعول المجلس على نجاح مثل هذه المشاورات بغياب جماعة الحوثي، وفق تصريحات لأمينه العام، أشار فيها إلى أن "أي مشاورات يمنية لا يشارك فيها الجميع بمن فيهم الحوثيين، لن تحقق السلام".
وتقترب الحرب في اليمن التي دخلت عامها الثامن من الاستعصاء على الحل، في ظل أحد أكبر الأزمات الإنسانية بالعالم وأكثرها تعقيدا.
وتعيش اليمن ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، من المتوقع أن تزداد صعوبة نتيجة تداعيات الحرب في أوكرانيا على قطاع الحبوب والمواد الزراعية الاستهلاكية الأخرى، وهي في الأساس تعاني من بنية تحتية منهارة واقتصاد متراجع في ظل حاجة ما يصل إلى ثلثي سكان البلاد للغذاء والخدمات الأساسية، وفق تقديرات للأمم المتحدة، التي قدرت حاجة اليمن بنحو 4.3 مليارات دولار مساعدات عاجلة، بينما قدمت الدول المانحة حوالي 1.3 مليار دولار فقط.
وأعلنت الأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه بحلول نهاية عام 2021، تكون الحرب في اليمن قد أسفرت عن مقتل 377 ألف شخص من المدنيين والعسكريين بشكل مباشر وغير مباشر.
وعلى ما يبدو، فإن حرب اليمن باتت من أولويات اهتمامات الأمم المتحدة عبر جهود المبعوث الخاص، هانس غرودنبرغ، الذي اختتم أسبوعين من المباحثات مع الأطراف اليمنية في العاصمة الأردنية عمان خلال مارس الجاري، في محاولة منه لـ "رسم مسار نحو تسوية مستدامة للنزاع"، وإعداد إطار عمل لمفاوضات سياسية شاملة تشمل جميع أطراف الحرب.
وأعلنت القوى السياسية التي حضرت لقاءات المبعوث الأممي التزامها بثوابت إحلال السلام في اليمن، الذي لن يكون إلا عبر المفاوضات بين جميع الأطراف لإيجاد حل سياسي شامل، استناداً إلى المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 2216 في عام 2015، الذي يلزم جماعة الحوثي سحب قواتها من جميع المناطق التي سيطرت عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وحظر توريد جميع أنواع الأسلحة والعتاد وعربات النقل العسكرية إلى اليمن، أو تقديم المساعدة الفنية وخدمات التدريب.
كما أن مجلس الأمن الدولي، وتحت البند السابع أصدر في 28 فبراير/ شباط الماضي، القرار رقم 2624، الذي وصف جماعة الحوثي بأنها "إرهابية"، والذي بموجبه يتم تجديد نظام العقوبات على اليمن، وإدراج جميع أعضاء الجماعة في نظام العقوبات على حظر توريد الأسلحة، وليس فقط كبار مسؤوليها، وإدانة هجماتها عبر الحدود على المدنيين والبنية التحتية المدنية في السعودية والإمارات، ومطالبتها بالوقف الفوري للأعمال "العدائية"، وفق موقع الأمم المتحدة.
وتتزامن الجهود الأممية وجهود مجلس التعاون الخليجي لإحلال السلام مع تواصل المعارك في عدة جبهات استراتيجية، يقدم فيها الطرفان خسائر مادية وبشرية مع صعوبة حسم المعارك عسكريا لصالح أي منهما.
وقوبلت دعوة مجلس التعاون الخليجي بترحيب الأمم المتحدة والحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، والتي اشترطت مرجعيات الحل الثلاث، وهو ما ترفضه جماعة الحوثي منذ سنوات مع رفض واضح للمشاركة في مشاورات بين الأطراف اليمنية تستضيفها الرياض، مؤكدة على رغبتها في عقد مثل هذه المشاورات في بلدٍ "محايد لم يشارك في الحرب"، وهو ما لا يرجح أن يوافق عليه مجلس التعاون الذي يتخذ من الرياض مقرا له.
وتأتي مبادرة مجلس التعاون بعد نحو عام من مبادرة أطلقتها السعودية في 22 مارس 2021، تقضي بوقف إطلاق النار في جميع أنحاء اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة، وبدء مشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة بناء على مرجعيات المبادرة الخليجية، وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، إلى جانب فتح مطار صنعاء الدولي لبعض الوجهات الإقليمية والدولية، والسماح باستيراد المواد الغذائية والمنتجات النفطية.
لكن هذه المبادرة لم تلق استجابة من جماعة الحوثي، التي لا تزال تتمسك بموقفها الثابت برفع الحصار عن مطار صنعاء الدولي والموانئ اليمنية قبل بدء أي مفاوضات سلام.
قد تنجح مبادرة مجلس التعاون في إعادة صياغة رؤى الأطراف اليمنية للحل السياسي بعيدا عن الحسم العسكري وفق تطورات الأوضاع على الأرض، لكنه من المستبعد أن تقود هذه المبادرة إلى أية حلول طالما أصرت جماعة الحوثي التي هي الطرف الأهم في الحرب على عدم الحضور إلى الرياض، في نفس الوقت الذي يُستبعد أن يستجيب مجلس التعاون لشروط الحوثيين في نقل المشاورات من الرياض إلى بلد محايد، تريده الجماعة أن لا يكون طرفا في الحرب.