[ صحافيون يحملون السلاح ويشاركون في الأعمال العسكرية (أحمد الباشا/فرانس برس) ]
أعاد مقتل الصحافي اليمني هشام البكيري، تسليط الضوء على كثير من الصحافيين الذين أجبرتهم ظروف الحرب على الالتحاق بالأعمال العسكرية، بعد قناعة شخصية لديهم بأنّ رصاص البنادق هو الخيار الأنسب لمرحلة مصيرية كهذه، وليس حبر الأقلام. لم يكن البكيري، الذي التحق بصفوف القوات الحكومية وقُتل، يوم الجمعة الماضي، في معارك ضد الحوثيين بالريف الغربي لمحافظة تعز، الصحافي الأول الذي يتخذ هذا الخيار بالقتال ضدّ الحوثيين، بل سبقه آخرون، أبرزهم مدير مكتب وكالة "سبأ" الحكومية في محافظة البيضاء، أحمد الحمزي. وفي الضفة المقابلة، سقط عدد من الإعلاميين في صفوف جماعة الحوثيين، وهم يقاتلون القوات الحكومية، على رأسهم عبد الله المنتصر، من قناة "الساحات" الموالية للحوثيين عام 2018، وقبله المراسل الصحافي أمين قاسم الجرموزي، الذي قُتل في مواجهات بمديرية عُتمة بمحافظة ذمار عام 2017.
وخلافاً لمنتسبي "بلاط الجلالة" ممن يحملون السلاح ويشاركون في الأعمال العسكرية بشكل مباشر، انخرط عشرات من الصحافيين في صفوف الإعلام الحربي العسكري التابع لجميع الفصائل والجماعات المسلحة في اليمن، بهدف توثيق المعارك. وفي حين اتخذ معظمهم من ذلك مجرد مهنة، للبحث عن مصدر دخل شهري بعد توقف رواتب المؤسسات الإعلامية التي كانوا يعملون فيها، ظهر البعض منهم بشكل مؤدلج "للدفاع عن قضية" بغض النظر عن العوائد المادية.
على الرغم من قناعة المنخرطين في الأعمال العسكرية بأنّهم قد تخلوا عن مهنة الصحافة ولا يجدون حرجاً في الظهور الإعلامي وعلى أكتافهم الكلاشنكوف، فإنّ سقوطهم يُعيد الجدال حول طبيعة العمل الذي كانوا يقومون به، إذ تلجأ أطراف النزاع اليمني إلى تذكر طبيعة عمل الصريع السابق قبل أن يصبح عسكرياً، في مسعى منها لتحويله إلى قضية رأي عام، خصوصاً أنّ مقتل صحافي في جبهات القتال يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والقوانين الدولية، خلافاً للحال، إن جرى التعامل معه على أنّه مجرد مقاتل.
وأدى مقتل الصحافي هشام البكيري، الأسبوع الماضي، إلى حالة من الانقسام. ففي حين كان نعي البعض له كمقاتل "سقط شهيداً" وهو يدافع عن الأرض في وجه المليشيات الحوثية، نعاه آخرون، ومنهم وزير الإعلام في الحكومة المعترف بها دولياً، معمر الإرياني، باعتباره كان يغطي المعارك إعلامياً. وحسم الموقع الرسمي لوزارة الدفاع اليمنية الأمر، وقال في تقرير صحافي، إنّ البكيري الذي تخرج من كلية الإعلام بجامعة صنعاء، عام 2011، تخصص إذاعة وتلفزيون، لم يقاوم المليشيات الحوثية بالقلم والسلاح فقط، بل واجهها بالسلاح وأصبح أحد منتسبي الجيش الوطني في محافظة تعز. وبحسب وزارة الدفاع اليمنية، لم يكن أمام البكيري أيّ خيار سوى حمل السلاح ومقاومة مليشيا لا تعترف إلاّ بمنطق القوة، إذ بدأ مع مجموعة من العسكريين وشباب المنطقة التي ينحدر منها في ريف تعز، مسعى للسيطرة على قمم الجبال الفاصلة بين مديريتي المسراخ وسامع، والتي رابط فيها عدة سنوات، قبل أن يصبح من منتسبي اللواء 35 مدرع، ويقود مجموعة من شباب المقاومة الشعبية الذين أصبحوا تحت إدارته.
رغم نعي وزير الإعلام اليمني للبكيري باعتباره صحافياً، فإنّ نقابة الصحافيين اليمنيين لم تصدر أيّ بيان نعي، بعدما تورطت في مناسبات سابقة بإصدار بيانات نعي لصحافيين اتضح في ما بعد أنّهم كانوا يمارسون الأعمال العسكرية. ووفقاً لمسؤولين في النقابة، فقد تم تدارك بعض الأخطاء التي وقعت سابقاً، فألغيت البلاغات الصادرة عنها بعد التأكد من هوية المهن التي يمارسها الصحافيون، والتواصل مع المنظمات الدولية أيضاً لشطب تلك الحالات. ومنذ ذلك الحين، يجري التأني في التعاطي مع الحالات، حفاظاً على المصداقية. وأشاروا إلى أنّه حتى في حال التورط وإصدار بيانات نعي فورية، يتم شطب الحادثة في ما بعد من قائمة الصحافيين الذين سقطوا خلال الحرب، وهي المعتمدة من الاتحاد الدولي للصحافة والمنظمات الأجنبية، ولا يجري احتساب أيّ صحافي يحمل السلاح، أو يرتدي الزيّ العسكري وينخرط في الأعمال القتالية، باعتباره من أعضاء النقابة.
ترى نقابة الصحافيين اليمنيين أنّ تحول منتسبيها إلى ممارسة الأعمال العسكرية مؤشر خطير وأمر مؤسف، لكنّها تؤكد احترامها خيارهم الشخصي وقناعاتهم، وفقاً لعضو مجلس النقابة، نبيل الأسيدي. ويشرح الأسيدي، وهو رئيس لجنة التدريب والتأهيل بالنقابة، أنّ هناك أنواعاً من الصحافيين الذين يرتبطون بالأعمال العسكرية، إذ انخرط البعض في التوجيه المعنوي وحصل على رتب عسكرية بهدف تأمين راتب شهري، لكن من دون ممارسة أيّ نشاط إعلامي حربي. وهناك من تحول إلى إعلام حربي فقط من دون الانخراط في الأعمال القتالية الميدانية، كما أنّ هناك قلة ممّن حملت السلاح وانخرطت في جبهات القتال بشكل مباشر. ويقول الأسيدي لـ"العربي الجديد" إنّ "النقابة تحترم الخيارات الشخصية كافة للصحافيين الذين التحقوا بالجانب الأمني والعسكري، لكن وفق مضامين العمل الصحافي والنقابي فإنّهم أقرب إلى الإعلام الحربي أكثر من كونهم صحافيين مدنيين. أما من انخرط في العمليات القتالية فقد أصبح عسكرياً ولا علاقة له بالصحافة". ويضيف: "النقابة وفق لوائحها المحلية والدولية كما هو لدى المنظمات المختلفة، لا تعتبر أيّ شخص حمل السلاح صحافياً، لكنّها تحترم خياراته الشخصية وقناعاته".
لا يجري احتساب أيّ صحافي يحمل السلاح أو يرتدي الزيّ العسكري وينخرط في الأعمال القتالية باعتباره من أعضاء النقابة
في مقابل الحزم بمسألة الصحافيين المقاتلين، تتغاضى النقابة عمّن ينخرطون في الأعمال القتالية وتكون أعمالهم أقرب إلى العمل الصحافي، وتُرجع تفهمها إلى تعقيدات كثيرة على رأسها أنّ وقف رواتب منتسبيها جعل أوضاعهم صعبة، وكان الالتحاق بكشوف الرواتب العسكرية أحد الخيارات الضيقة للحصول على راتب شهري.
وما زالت الحماسة التي يظهرها بعض الإعلاميين في جبهات القتال وهم يرتدون بزّات عسكرية أو يحملون بندقية أو قذائف "آر بي جي" بهدف دعم قضية القتال ضد الانقلاب الحوثي، على رأس الهموم التي تؤرق مجلس النقابة في اليمن. ويدعو الأسيدي العاملين في تغطية المعارك على الأرض كافة، إلى "عدم التفاعل المبالغ فيه أثناء النزول الميداني، والتقاط الصور وهم يحملون أسلحة أو أيّ ملابس عسكرية من منطلق الدعم المعنوي للمقاتلين". ويشدّد على أنّ كلّ من حمل السلاح تسقط عنه صفة الصحافي.