[ تدريب على الخطف في اليمن (أحمد غرابلي/ فرانس برس) ]
تتمنّى أسرة السياسي اليمني محمد قحطان أن يرنّ الهاتف ويحمل لها ما يطمئنها عليه، بعدما مرت خمس سنوات على إخفائه قسراً في سجون أنصار الله الحوثيين في صنعاء، من دون معرفة مصيره أو وضعه الصحي، هو الذي يعاني من أمراض مزمنة. ومنذ مطلع أبريل/ نيسان عام 2015، طرقت أسرة قحطان كافة الأبواب من أجل معرفة مصيره. وعلى الرغم من الإشاعات الكثيرة حول ما إذا كان على قيد الحياة أو توفي، رفض الحوثيون الذين عمدوا إلى إخفائه قسرياً بعد نحو أسبوع من اندلاع الحرب، الإدلاء بأية معلومات عنه.
وتحوّل قحطان (في العقد السادس من العمر)، عضو الهيئة العليا لحزب التجمع اليمني للإصلاح، إلى عميد المخفيين قسرياً خلال الحرب اليمنية. ويقول مصدر في أسرته لـ "العربي الجديد" إن الرجل يعاني من أمراض مزمنة أبرزها السكري، ما يجعل أسرته تخشى عليه من أية انتكاسة صحية.
وبحسب تقارير حقوقية محلية ودولية، يحتلّ الحوثيون المرتبة الأولى على قائمة مرتكبي جرائم الإخفاء القسري بحق اليمنيين. ففي 244 معتقلا سريا غير رسمي خاضعا لهم، يقبع نحو 5 آلاف مخفي قسرياً من سياسيين وإعلاميين وناشطين حزبيين وعمال فضلاً عن مشايخ وجاهات اجتماعية وعسكريين.
وزادت جرائم الإخفاء القسري في اليمن منذ عام 2018 من جرّاء زيادة الفصائل المسلحة وسلطات الأمر الواقع شمالاً وجنوباً، بعدما كانت محصورة خلال الأيام الأولى للحرب بين الحوثيين وقوات الرئيس السابق عبدالله صالح من جهة، والحكومة الشرعية وكافة حلفائها من جهة أخرى.
منذ ذلك التاريخ، فُضّت الشراكة بين الحوثيين وقوات صالح، وتحوّلت الأخيرة إلى هدف مشروع للحوثيين الذين أخفوا العشرات من القيادات العسكرية بينهم عدد من أبناء أشقاء الرئيس السابق وأولادهم وقيادات مقربة منه. كما انضمت قوات المجلس الجنوبي، وقوات طارق صالح في الساحل الغربي، وجميعها مدعومة إماراتياً، إلى قائمة المنتهكين لحقوق الإنسان، إلى جانب الحوثيين والقوات الحكومية وتنظيم القاعدة والأحزمة الأمنية غير الرسمية.
وبحسب تقرير حديث صادر عن "رابطة أمهات المختطفين" المعنية برصد انتهاكات جميع الأطراف، يتواجد في اليمن 262 سجناً ومقر احتجاز سري، إلا أن جماعة الحوثيين تتصدر القائمة بـ 244 سجناً سرياً، تليها قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً بثمانية سجون، والتشكيلات الأمنية الأخرى الموالية للتحالف السعودي الإماراتي في ستة سجون، فيما تمتلك قوات الحكومة المعترف بها دولياً أربعة سجون.
وتمتلك الأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما يسمى بـ "النُخب" المدعومة إماراتياً سجلاً أسود من الانتهاكات ضد مدنيين بتهمة "الأخونة"، وخصوصاً في عدن والمكلا وقبلها في شبوة. ووفقاً لتقارير حقوقية، ما زال مصير 38 مخفيا قسرياً في عدن مجهولاً منذ 4 سنوات.
ويعدّ المواطن سعيد جليجل أحد أبرز ضحايا الإخفاء القسري والتعذيب في المعتقلات التي تديرها قوات مدعومة إماراتياً. وبحسب مؤسسة دفاع للحريات، فقد أخفي الضحية مدة أربع سنوات وتم تعذيبه بالحرق والصعق على أيدي ضباط إماراتيين في قاعة وضاح للأفراح في عدن، والتي حولت إلى معتقل قبل الإفراج عنه ونقله للعلاج في الخارج.
وعلى الرغم من شيوع ظاهرة الإخفاء القسري منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إلا أن الحكومات المتعاقبة شمالاً وجنوباً لم تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة هذا النوع من الانتهاك، في ما يشبه التهرب من تبعاتها نظراً لكثرة الانتهاكات التي كانت تحدث في الماضي.
وتزايدت انتهاكات الإخفاء القسري خلال العامين الماضيين مع ظهور المزيد من سلطات الأمر الواقع على الأرض. وبحسب الحقوقية اليمنية إشراق المقطري، فإن جميع أطراف النزاع الرئيسية والفرعية في اليمن، قامت بعمليات إخفاء لمدنيين ليس لديهم أي موقف أو تدخل بالحرب، إما بسبب الانتماءات السياسية أو لأنهم معارضون لتوجهات الطرف الآخر.
ومع تضارب الأرقام حول حصيلة المخفيين قسرياً لدى كافة أطراف الصراع اليمني، تقول المقطري، وهي عضو اللجنة الحكومية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، لـ "العربي الجديد": "اللجنة لا تصدر إحصائيات رقمية، لكن نتأكد من خلال أدلة وبراهين وجلسات استماع".
وتكشف الحقوقية اليمنية أن اللجنة الحكومية المدعومة من مجلس حقوق الإنسان في جنيف حققت حتى الآن في 504 قضايا لمخفيين قسرياً ملفاتهم مكتملة، من بينهم 466 رجلاً و18 امرأة و20 طفلاً. وهؤلاء جميعاً مصيرهم غير معروف حتى الآن، غالبيتهم في محافظة تعز والعاصمة صنعاء.
وكان لهذا النوع من الانتهاكات تأثير على آلاف الأسر اليمنية التي باتت تعاني من الضياع والبحث المستمر عن ذويها المخفيين قسرياً، وسط انعدام شبه كلي لمراكز الدعم النفسي التي تساعد الضحايا وأهلهم على تجاوز المعاناة النفسية، وفقاً لخبراء.
ويقول رئيس مركز الإرشاد والبحوث النفسية في جامعة تعز الحكومية اليمنية، عدنان القاضي، لـ "العربي الجديد"، إن "ظاهرة الإخفاء القسري أثرت سلباً على العائلات التي باتت تبحث عن سراب، وقد أدت إلى مشاكل نفسية، خصوصاً لدى الأطفال الذين يعانون من الكوابيس والتبول اللاإرادي". يضيف: "تعاني عائلات المختطفين أو المختطف نفسه من الصدمات. وهؤلاء يعجزون عن التخلص من صور التعذيب وغيرها، وقد تستمر المعاناة لمدة أشهر. وأحياناً، يفضل الضحايا الانعزال عن الناس خشية الاختطاف مجدداً، ما يؤثر على قدرتهم على العمل".