[ تهدئة مؤقتة للعمليات العسكرية في الحديدة ]
على الرغم من مرور نحو أسبوع على انتقال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، إلى العاصمة السعودية الرياض، للدخول في المناقشات العملية لتحضيرات استئناف مفاوضات السلام، لا يزال مصير جهود المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، الخاصة بتنظيم مشاورات خلال يوليو/تموز الحالي، غامضاً، مع تمسك كل طرف بالشروط والمطالب الأساسية المتعلقة بأبرز المواضيع، وذلك على الرغم من أنها نجحت، بنسبة أو بأخرى، بتغيير مجرى التصعيد العسكري للقوات الحكومية، والتحالف بواجهة إماراتية، نحو الحديدة.
وشهدت الأيام القليلة الماضية، لقاءات دبلوماسية مكثفة في الرياض وصنعاء وصولاً إلى واشنطن، بهدف الضغط على الأطراف اليمنية لتسريع الخطى نحو عقد جولة جديدة من المحادثات والوصول إلى تفاهمات بشأن الوضع في مدينة الحديدة الاستراتيجية.
وقال مصدر حكومي يمني، طلب عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن اللقاءات لا تزال تراوح مكانها في المربع الأول، والمتمثل بالمطالب التي ترى الحكومة اليمنية، ومعها التحالف، أنه من الواجب اتخاذها في سبيل العودة إلى المسار السياسي، وهو ما يواجه رفضاً من قبل جماعة الحوثيين.
وأقر المصدر بضغوط دولية قوية من قبل الأمم المتحدة، ومن خلفها العديد من الدول الغربية، والتي تدعم بقوة جهود غريفيث لاستئناف المفاوضات وتغليب الملف الإنساني على حساب المسار العسكري.
إلا أنه اعتبر أن هذه الضغوط تفتقر إلى معطيات واقعية ضامنة لنجاح أي مفاوضات أو حلول سياسية يدفع المجتمع الدولي نحوها، إذ ترى الشرعية والدول الداعمة لها، أنه من دون تنازلات من الحوثيين، على الأقل فيما يتعلق بالانسحاب من الحديدة، فإن جهود السلام ليست إلا محاولة لشرعنة "الأمر الواقع" الذي تفرضه الجماعة وتمديداً للحرب من بوابة الحلول التي لا تصنع السلام.
وتسود حالة من التذمر في أوساط المسؤولين في الشرعية والعديد من مؤيدي التحالف، ما خلق انطباعاً كما لو أن غريفيث جاء ليكون نقيضاً لسلفه، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في العام الأخير لمهمته مبعوثاً إلى اليمن، حينما اتهمه الحوثيون بـ"الانحياز" لخصومهم، ورفضوا التجاوب مع مقترحاته، وعلى العكس من ذلك، فقد أبدوا انفتاحاً كبيراً على المبعوث البريطاني الجديد، حتى أن زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وخلال مقابلة مع صحيفة فرنسية أخيراً، أشار ضمناً إلى أن المبعوث لا يتفاعل مع المقترحات والشروط المقدمة من الإمارات، باعتبار الأخيرة تتصدر واجهة التحالف بعملية الحديدة، وكان مسؤولوها أطلقوا تصريحات تطالب بانسحاب كامل للحوثيين من الحديدة.
وخلال الأيام الماضية، عقد رئيس الحكومة اليمنية، الذي كلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي بدراسة المقترحات والأفكار الأممية الخاصة بالمفاوضات، العديد من اللقاءات في الرياض، بما فيها مع السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر، والسفير البريطاني مايكل إيرون.
وشهدت صنعاء، هي الأخرى، لقاءات لسفير فرنسا لدى اليمن، كريستيان تيستو، وأخرى لأعضاء ومستشارين في مكتب المبعوث الأممي، مع قيادات ومسؤولين موالين للحوثيين، تمحورت نقاشاتها بحسب المصادر الرسمية، حول سبل الدفع بجهود التحضير للمفاوضات إلى الأمام، الأمر الذي كان أيضاً، محور نقاشات بين الإماراتيين والأميركيين في واشنطن الأربعاء الماضي، إذ كشفت وسائل إعلام إماراتية عن مباحثات في واشنطن عقدتها وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، مع مسؤولين أميركيين، بالترافق مع تراجع واضح في حدة الحماس الإماراتي بالزحف العسكري باتجاه الحديدة.
وتؤكد مختلف المصادر، القريبة من الحكومة والتابعة للحوثيين، أن التقدم في الجهود التي يقودها غريفيث، في الشهرين الأخيرين، لا يزال محصوراً في الإعلان من قبل الحوثيين عن الموافقة على مقترح الأمم المتحدة بتوليها دوراً قيادياً في إدارة ميناء الحديدة، بوصفه الشريان الأهم في اليمن للمساعدات الإنسانية والواردات التجارية، التي تغذي أغلب المناطق ذات الكثافة السكانية في شمال وغرب ووسط البلاد، على أن الجانب الحكومي، تجاوز مسألة الإدارة الأممية للميناء إلى المطالبة بالانسحاب الكامل للحوثيين من المدينة.
وقد جرى بحث العديد من المقترحات التفصيلية في هذا الصدد، بما فيها مقترح بأن يسلم الحوثيون المدينة للموظفين وقوات الأمن التي كانت مسؤولة عن إدارة وأمن المدينة قبل سيطرة الجماعة أواخر العام 2014.
كما أضافت الحكومة مطالب أخرى، تتعلق بخطوات "بناء الثقة"، أو "إجراءات حسن النية"، وتشمل ضرورة قيام الحوثيين بإطلاق سراح معتقلين، بينهم وزير الدفاع، محمود الصبيحي.
وهكذا مر 20 يوماً من يوليو/تموز الحالي، والذي كان المبعوث الأممي أعلن أن جولة المفاوضات الجديدة ستنطلق خلالها، من دون الإعلان عن اختراق حاسم، باستثناء تهدئة وتيرة العمليات العسكرية في الحديدة، وهو المنجز الأهم، الذي يحسب لغريفيث على مدى أكثر من شهر مضى، إذ استطاع بمساندة الضغوط الدولية، أن يفرض على القوات الحكومية والمدعومة إماراتياً وقف التقدم نحو مدينة الحديدة، لإتاحة الفرصة للجهود السياسية، مع بقاء المواجهات في الأجزاء الجنوبية، وهي نقاط التماس المباشرة بين الطرفين.
وفي مقابل تهدئة الحديدة النسبية، والتي بدا معها كما لو أن أبوظبي قد استسلمت للضغوط الدولية، يسود التصعيد العسكري على الحدود مع السعودية، من محافظة صعدة وحتى حجة، حيث شهدت مختلف المناطق تصاعداً في العمليات العسكرية والغارات الجوية.
ومع ذلك فقد كان المؤشر الأهم في التصعيد خلال الأيام الأخيرة، هو إعلان الحوثيين عن إدخال طائرات مسيرة بعيدة المدى إلى ميدان الحرب، للمرة الأولى، واستخدامها بقصف مصفاة تابعة لشركة "أرامكو" في الرياض، بالتزامن مع إعلان الأخيرة عن إخماد حريق.
وبصرف النظر عما إذا كان الأخير نتج عن القصف أو لم ينتج عنه، فقد كانت الرسالة الواضحة من هذا الإعلان، هي أن الحوثيين، وبينما تتصاعد وتيرة جهود السلام، يتمسكون بقوتهم وبقدرتهم على تحقيق المزيد من المفاجآت العسكرية، وبالتالي فإن النتيجة يُمكن أن تٌقرأ باتجاهين متضادين، الأول هو أن تشكل تحركات الحوثيين العسكرية ضغطاً عسكرياً يساند الضغوط السياسية التي تدفع الرياض نحو القبول بالحل، والآخر، هو زيادة رغبة الرياض بالسعي إلى كسر شوكة الجماعة، واعتبار الصواريخ وحتى الطائرات المسيرة، مؤشراً على أن الجماعة، تشكل تهديداً فعلياً لأراضيها.
وبين مختلف المؤشرات يبدو مصير الجهود السياسية ضبابياً، ومفتوحاً على كافة الاحتمالات، بما فيها التهدئة لمنح غريفيث فرصة إدارة جولة مفاوضات أو عودة التصعيد العسكري، لترجيح مطالب أحد الأطراف.