[ المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ]
تمثل الإحاطة الأولى للمبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن الدولي، مساء الثلاثاء الماضي، أهم دليل يختصر واقع جهود السلام في اليمن وتطورات الأشهر المقبلة المحتملة. وعلى عكس منسوب الآمال، التي أظهرتها تصريحاته المقتضبة السابقة خلال الأسابيع الماضية، بدا البريطاني غريفيث أكثر واقعية في التقرير الأولى المقدم إلى مجلس الأمن، ومن أبرز ما تضمنه، الإعلان عن أنه "خلال الشهرين المقبلين، سيقدم إطار عمل لإجراء مفاوضات بين الأطراف اليمنية".
الأمر الذي أثار تفسيرات متباينة، إذ أعرب مسؤول حكومي يمني قريب من الوفد المفاوض في الكويت، لـ"العربي الجديد"، عن خشيته من أن "يكون الحديث عن إعداد إطار عمل لمفاوضات مؤشراً على أن المبعوث الأممي الجديد، سيبدأ من الصفر، وليس من حيث انتهى سلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي قاد تجارب عسيرة مع الأطراف اليمنية على مدى ثلاث جولات من المفاوضات رعاها من جنيف إلى الكويت".
من جانبه، كان غريفيث، أكثر واقعية ووضوحاً، أثناء مخاطبته أعضاء مجلس الأمن، بقوله إن "التوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات لا يمكن أن يكون مضموناً ويستدعي التحلي بالصبر والاجتهاد وحسن النية بين الطرفين". وأكد أن "الحل السياسي لوضع حد لهذه الحرب هو فعلياً متاح، وأن الخطوط العريضة لهذا الحل ليست بالأمر الصعب".
ولخّصها بـ"إنهاء القتال، وسحب القوات وتسليم الأسلحة الثقيلة في المواقع الرئيسية، بمعية الاتفاق على تشكيل حكومة تتسم بالشمولية وتجمع الأطراف فيما بينها على توافق في الآراء لبناء السلام". وهي خطوات معروفة كانت في مختلف جولات المفاوضات، وأبرزها مشاورات الكويت، إذ دارت المفاوضات حولها، إلا أن الاختلاف الذي وقف عائقاً هو التفاصيل المتعلقة بتراتبية هذه الخطوات، وبالقوات المفترض انسحابها. وهي إشارة على ما يبدو إلى انسحاب جماعة الحوثيين، من مدن كصنعاء، وفقاً للمقترحات السابقة التي كانت مطروحة على طاولة المفاوضات.
وفي السياق أشار المبعوث الأممي إلى "ما يتعلق بتصريحات أو المواقف التي تظهرها القوى خلال اللقاءات وبين القوى مع الوضع في الاعتبار الحاجة للتحقق من ذلك".
وقال إنه "في تجربتي في محاولة حل الصراعات، تعلمتُ أن أصدق ما يأتي على لسان الناس من خلال كلامهم، وإيلاءهم الثقة ولكن أيضاً بمعية التحقق من ذلك. يجب أن نثق في التأكيدات التي نسمعها حتى وإن كنّا نعلم أن الاختبار النهائي لذلك يكمن فيما سوف يقدمونه عملياً. لذلك فإنني عندما أسمع كلماتٍ إيجابية من قائد أو آخر، وغالباً ما يكون ذلك موضعاً للسخرية والتشكيك من الجانب الآخر، فإن مساري هو: دعونا نأخذ الكلمات الجيدة تلك ونستخدمها بنحوٍ جيد".
وكان غريفيث قد قسّم إحاطته، إلى أخبار جيدة وأخرى سيئة. الجيدة متعلقة بالمفاوضات والكلمات التي سمعها، وفي المقابل أخذت الأخبار "السيئة" جزءاً معتبراً من إحاطته، بالإشارة إلى التصعيد الصاروخي للحوثيين باتجاه السعودية، في مقابل التصعيد العسكري للتحالف وقوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، على الحدود مع محافظة صعدة (معقل الحوثيين)، بالإضافة إلى إشارة غاية في الأهمية، مرتبطة بالحديدة، حين تحدث عن "تقارير غير مؤكدة تُفيد بأن حركات القوات في اليمن آخذة في التزايد، وأن الآفاق الرهيبة للعمليات العسكرية المكثفة في الحُديدة، التي لوح إليها منذ فترة طويلة، قد تكون وشيكة".
وعبّر المبعوث الأممي بصراحة عن قلقه من تأثير التصعيد الذي تحدث عنه، قائلاً "قلقنا يكمن في أن أيّا من هذه التطورات قد تفضي إلى أخذ السلام بعيداً عن الطاولة. إنني مقتنع بأن هناك خطراً حقيقياً جرّاء ذلك. نحن جميعاً بحاجة عاجلة وبنحوٍ إبداعي لإيجاد سُبلٍ لتقليل فرص الأحداث التي قد تغيّر قواعد المسار وتحيدها وتزعج الآمال الحقيقية للأغلبية العظمى من اليمنيين".
ومقارنة مع الإحاطات التي قدّمها سلفه إسماعيل ولد الشيخ أحمد، على الأقل، والمعطيات الأخرى المرتبطة في الصراع، برز على رأس الملاحظات في عمل المبعوث الجديد، التركيز على الجانب اليمني، وإهمال كل ما هو مرتبط بمواقف دول الإقليم المؤثرة، أو تقديم تفاصيل عن زيارته إلى كل من السعودية وعُمان والإمارات.
وقال غريفيث "إنّ تركيزي على الاستماع إلى اليمنيين وإشراكهم يسمو فوق جميع الأولويات الأخرى، فذلك ليس بقرارٍ عديم الجدوى. نحن نعلم أن حلّ الصراع في اليمن يمكن أن يأتي فقط من خلال اتفاق يُبرم بين قادتها على تنحية خلافاتهم جانباً، والاتفاق فيما بينهم على التعاطي مع بعضهم البعض ليس من خلال الاقتتال بل عِبر الحوارِ والنقاش".
ومن زاوية أخرى، أثار حديث المبعوث الأممي عن الجنوب جدلاً ونقاشات في الأوساط اليمنية، قال "لم أزر الجنوب بعد، لكنني بدأت ألتقي بالمجموعات الجنوبية. كما تعلمون، لقد أحدث الصراع تغييرات رئيسية على الأرض في المحافظات الجنوبية، وجعل إحباطات وتطلعات الجنوبيين طويلة الأمد أكثر وضوحاً. فلن يكون هناك سلام في اليمن إذا لم نستمع أيضا إلى أصوات الجنوب ونتأكد من تضمينها في الترتيبات السياسية التي تنهي الحرب".
وهو التصريح الذي اعتبره قياديون وأنصار فيما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، بأنه انتصار لمطالبهم بالانفصال، إلا أن آخرين سخروا من هذا التفسير، واعتبروا أنه تصريح سبق أن ورد ما ليس بعيداً عنه، على ألسن المبعوثين السابقين، من جمال بنعمر وحتى ولد الشيخ أحمد.