[ جعل الحوثيين الصواريخ الباليستية تهديداً جدياً للسعودية - فرانس برس ]
باتت الصواريخ الباليستية اليومية التي تطلقها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، باتجاه السعودية، المتغير الأبرز على مسار الحرب الدائرة في اليمن في الأسابيع الأولى من عامها الرابع، إذ كان تأمين السعودية ومنع التهديد المفترض لها من قبل الحوثيين، على رأس الأسباب التي دفعت الرياض لتدشين حملتها العسكرية في البلاد. متغيّر يُعد عاملاً رئيسياً في بوصلة مسار توجيه مصير الحرب، فإما يدفعها إلى مرحلة أشد ضراوة تستثمرها السعودية للتصعيد نحو معاقل الحوثيين، أو يمهد للعودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن أوصلت رسالة بأن العمليات الجوية فشلت بإنهاء تهديد الصواريخ.
وفي أحدث تطور، أمس الأربعاء، أعلن الحوثيون أن طائرة مسيّرة تابعة للجماعة، استهدفت مطار مدينة أبها في منطقة عسير بغارات جوية وأخرى استهدفت مقراً لشركة "أرامكو" السعودية في منطقة جازان، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها الحوثيون استخدام طائرات مسيّرة داخل السعودية بعد أن أعلنت الجماعة العام الماضي عن تدشينها. كما أعلن الحوثيون مساء أمس عن "استهداف وزارة الدفاع السعودية ومناطق أخرى بالرياض بصواريخ من طراز بركان2 إتش"، بعدما أفادت وكالة "فرانس برس" عن سماع دوي ثلاثة انفجارات في الرياض.
وخلال ثلاثة أسابيع تقريباً، استطاع الحوثيون أن يجعلوا الصواريخ الباليستية تهديداً جدياً باتجاه السعودية، ليبدو كأن الحرب وعشرات الآلاف من الضربات الجوية للتحالف تأتي بنتائج عكسية بتقوية الجماعة وإثبات قدرتها على الوصول بالصواريخ إلى العمق السعودي، وهذه المرة بما يشير إلى تطور عسكري نوعي، سواء بإدخال صواريخ مصنوعة حديثاً سُربت إلى اليمن، أو طُورت محلياً، أو أنها كانت ضمن مخازن الجماعة، منذ فترة سابقة للحرب، وتمكنت من تفعيلها أخيراً.
ورصدت "العربي الجديد" ما يزيد عن 17 صاروخاً باليتسياً أطلقها الحوثيون في الفترة ما بين 22 مارس/ آذار الماضي و10 إبريل/ نيسان الحالي، باتجاه أهداف داخل السعودية، منها ثلاثة صواريخ باتجاه العاصمة الرياض من نوع "بركان2"، الذي يُعدّ أخطر صاروخ كشفت عنه الجماعة العام الماضي، لجهة المدى الذي وصل إليه وتعدى الرياض إلى استهداف ينبع في يوليو/ تموز 2017، وهو الصاروخ نفسه الذي استهدف مطار الملك خالد في الرياض، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وأعلنت السعودية أنه إيراني الصنع، وأغلقت عقب إطلاقه كافة منافذ اليمن، لما يقرب من أسبوعين.
ومثّلت المنظومة الجديدة التي أدخلتها الجماعة أخيراً، تحت مسمى "بدر1" الباليستية، أبرز ملامح التطور الصاروخي النوعي لدى الحوثيين، وعلى الرغم من أنها قصيرة المدى، إلا أنها جعلت المناطق الحدودية تحت قصف باليستي شبه يومي، وهددت منشآت حيوية سعودية في نجران وعسير وجازان، وهي المناطق التي يمثل تأمينها من تهديد الجماعة أولوية بالنسبة للسعودية وحربها في اليمن منذ سنوات. ووفقاً لما أعلنه الحوثيون، فإن ثلاثة صواريخ على الأقل، جرى توجيهها ضد منشآت تابعة لشركة "أرامكو" في كلٍ من نجران وجازان، بالإضافة إلى استهداف مطاري المدينتين ومعسكرات متفرقة في المناطق الحدودية.
وإذا كان وجود الصواريخ بحد ذاتها أو إعلان إدخال منظومات جديدة، يقول الحوثيون إنها مُطورة محلياً، أمراً ليس جديداً بحد ذاته، إلا أن عدد الصواريخ هو أبرز ملامح التطور الذي يثير تساؤلات المتابعين، إذ إن العدد الكبير (ما يزيد على 10 صواريخ بدر1 في أقل من ثلاثة أسابيع)، مؤشر على أن الجماعة تمتلك الحد الأدنى من الأمان بالنسبة لكمية هذه الصواريخ. كما أن ذلك يرفع احتمالات أن تكون بالفعل مطورة محلياً، ويعزز ذلك التصريح المثير لرئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، أرفع واجهة سلطة في مناطق الحوثيين، صالح الصماد، الذي قال الإثنين الماضي، إن "هذا العام سيكون عاماً باليستياً بامتياز وسيدشن خلال الفترة المقبلة إطلاق صواريخ كل يوم، ولن تسلم السعودية من صواريخنا مهما حشدوا من منظومات دفاعية".
في السياق ذاته، يمكن قراءة الرسائل التي يهدف الحوثيون إلى إيصالها للسعودية من خلال الصواريخ، وهي أنهم قادرون على استهداف مدنها وبأكبر عدد ممكن، وإذا ما قورن بتصريح سابق للصماد نفسه، قال فيه إن الصواريخ هي وفود إلى "عواصم دول العدوان"، أي التحالف، وغيرها من التصريحات، فإنها تعكس بمجملها قناعة الجماعة بأن الصواريخ خيارها الأكثر فاعلية لنقل الحرب باتجاه الداخل السعودي، بما يمكن أن يدفع الرياض إلى القبول بالمفاوضات ووقف الغارات الجوية مقابل وقف إطلاق الصواريخ. ولطالما روّج الحوثيون إلى أن وقف إطلاق الصواريخ مشروط بوقف الحملة العسكرية للتحالف.
الجدير بالذكر أن الإحصائية المعلنة من التحالف عن عدد الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، تقارب 100 صاروخ قبل التصعيد الأخير، وهو ما يعني أن الحديث عن صواريخ "يومية"، كما أثبت الحوثيون خلال الأسابيع الأخيرة، تطور يعني الكثير على مسار الحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومعها المسار السياسي الذي يتلخص بالجهود الدولية المبذولة للعودة إلى طاولة المفاوضات ويتأثر مع كل موجة تصعيد.
وتشكّل الصواريخ في إحدى صورها، إحراجاً للرياض ولولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بفشل الحملة العسكرية التي تقودها بلاده في منع تهديد الحوثيين لأراضيها بعد ثلاث سنوات على إطلاقها، بالإضافة إلى أنها تحوّلت إلى موضوع يشغل الداخل السعودي، إذ شاهد العالم الشهر الماضي شظايا الصواريخ في شوارع الرياض، فضلاً عن التأثير الاقتصادي المحتمل لتوجيه الصواريخ نحو أهداف داخل السعودية، وكل ذلك بنظر الحوثيين، قد يشكّل عامل ضغط على الحكومة السعودية لإيقاف الحرب.
مقابل ذلك، يمثّل إثبات الحوثيين قدرتهم على تهديد السعودية واستهداف مناطق مختلفة بصورة متكررة، سلاحاً ذا حدين، إذ إن الرياض يمكن أن تستغله لمواصلة حملتها العسكرية ولحشد تأييد داخلي باعتبار أن الصواريخ تثبت أن الحرب جاءت لمنع خطر فعلي، وأنه بالنسبة للحوثيين وإذا ما كانت الصواريخ قد جرى تهريبها إليهم من إيران أو قاموا بتطويرها محلياً بدعم إيراني، فإن ذلك يرفع نسبة التهديد بالنسبة للسعودية ويدعم رغبة الرياض بتدمير قوة الحوثيين عسكرياً وإنهاء سيطرتهم في مناطق شمال اليمن أو الحد منها على الأقل. على أن عدد هذه الصواريخ يمثّل المؤشر الأخطر، ويشير إطلاق الحوثيين ما يزيد عن عشرة صواريخ منها باتجاه المناطق السعودية الحدودية مع اليمن، إلى أن الجماعة استطاعت إعادة تفعيلها وتطويرها، بما لا ينفي بالضرورة وجود بصمات إيرانية في هذا التطوير.
هذا التطور في العام الرابع من الحرب اليمنية يحمل العديد من الدلالات العسكرية والسياسية، وهو يأتي فيما يتركز التصعيد العسكري للتحالف والقوات اليمنية للشرعية، باتجاه المناطق الحدودية ومحافظة صعدة، معقل الحوثيين على نحو خاص، باعتبارها مركز قوة الجماعة التنظيمية والعسكرية.