[ قوات سودانية في اليمن ]
حتى وإن لم يشرع السودان بسحب قواته من اليمن، على الفور، فإن كل الأدلة تشير إلى أن مسألة بقاء هذه القوات، بعد أكثر من عامين ونصف العام من التدخل العسكري بقيادة السعودية، بات في الغالب بدافع الإحراج، إذ تكبدت القوات السودانية خسائر كبيرة، فيما تواجه الحكومة ضغوطاً متزايدة لسحب قواتها من المعركة التي لا هدف فيها للخرطوم إلا إرضاء قيادة التحالف. وأكدت مصادر في قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، لـ"العربي الجديد"، أن القوات السودانية، لا تزال ترابط، في إحدى أكثر الجبهات سخونة، وهي جبهة ميدي الساحلية، والواقعة بين اليمن والسعودية، في وقت تراجعت فيه حدة المعارك، على الجبهة الأخرى من البحر الأحمر جنوباً في منطقة المخا، حيث كان للسودانيين مشاركة فاعلة في المواجهات، وضحوا بالعشرات من أفرادهم خلالها.
ومنذ بدء الحملة العسكرية للتحالف، بقيادة السعودية، في اليمن في العام 2015، تحفظت أغلب الدول المشاركة عن إرسال قوات برية للمشاركة في الحرب، أو شاركت بقوات رمزية، لكن الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي لم يكن، على الأرجح، يتوقع استمرار الحرب لسنوات، تحمس لإرسال الآلاف من أفراد جيش بلاده، لا لهدف يذكر يتعلق بالسودان، سوى تحسين علاقاته مع السعودية، التي تقود التحالف. وتؤكد مصادر يمنية محلية وعسكرية، لـ"العربي الجديد"، أن أبرز دولتين شاركتا بالتحالف بقوات برية تتواجد في اليمن أو خارجه، هما الإمارات والسودان. الأولى تولت دوراً قيادياً في مناطق جنوب وشرق اليمن، وتسير وفق أجندة واضحة، والأخرى هي السودان، التي قد تكون قواتها هي الأكثر عدداً، لكنها الأقل ضجيجاً، وتعمل تحت إمرة القيادات الإماراتية والسعودية، وتقدم عدداً أكبر من الضحايا، لا يتم الإعلان عنهم في الغالب.
ووصلت القوات السودانية إلى اليمن عبر دفعات، ابتداءً من أواخر العام 2015، إذ تردد أنها ستعمل على حماية المنشآت في عدن. ويتواجد عدد غير قليل من القوات السودانية في قاعدة "العند" في محافظة لحج شمال عدن، وهي أكبر قاعدة عسكرية في اليمن، يسيطر عليها التحالف. وقبل أكثر من عام، قام رئيس الأركان السوداني، العماد مصطفى عدوي، بزيارة قواته في "العند". ومع مطلع العام 2017، أطلق التحالف، بقيادة إماراتية - سعودية، عملية عسكرية كبيرة للسيطرة على مناطق محافظة تعز الساحلية القريبة من باب المندب، وتم الدفع بالقوات السودانية إلى جانب اليمنية الموالية للشرعية والتحالف، لمقدمة المعارك في أشرس الجبهات، والتي التهمت المئات إلى الآلاف من المقاتلين من مختلف الأطراف، وسقط على إثرها العديد من المدنيين، لكنها كانت بالنسبة للتحالف هدفاً استراتيجياً يجب الوصول إليه بأي ثمن، باعتبارها ترتبط بباب المندب.
وبالترافق مع ذلك، دفع التحالف بالقوات السودانية إلى واجهة المشاركة الميدانية في جبهة هي الأخرى، لا تقل شراسة، وتتمثل بمنطقة ميدي في محافظة حجة اليمنية الحدودية مع السعودية. وشاركت القوات السودانية، التي قدمت من الجانب السعودي، إلى جانب قوات يمنية موالية للشرعية في عمليات عسكرية في ميدي. ودفعت القوات السودانية ثمناً باهظاً جراء الحرب. ففي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، سقوط العشرات من القتلى في صفوف القوات السودانية. وعرضت القناة الفضائية التابعة إلى الجماعة مشاهد مصورة للقتلى السودانيين في جبهة ميدي على الحدود السعودية اليمنية، الأمر الذي تصاعدت معه الدعوات في السودان، لسحب قواتها من اليمن.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت وتيرة المطالبات من سياسيين وبرلمانيين سودانيين بالانسحاب من اليمن. وتحولت المطالبات إلى قضية رأي عام تضغط على الحكومة، خصوصاً مع تواتر أنباء عن تململ في صفوف السودانيين وعن خلافات بينهم وبين الإماراتيين، الذين يتصدرون واجهة قيادة التحالف في الجنوب، وفي جبهة المخا الساحلية التي شاركت فيها القوات السودانية بفعالية، خلال العام الحالي. وفي خطوة وُصفت بأنها أقرب إلى تلويح بالانسحاب، أو تعبير عن عدم الرغبة بالبقاء في الحرب اليمنية، أعلن الجيش السوداني، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن حصيلة ثقيلة من الضحايا، إذ كشف قائد قوات الدعم السريع في السودان، الفريق محمد حمدان حميدتي، عن مقتل 412 سودانياً مشاركاً بالحرب في اليمن، بينهم 14 ضابطاً، وهي حصيلة كبيرة، تكشف مدى المشاركة السودانية في المعارك المباشرة. ووفقاً لحميدتي فإن الجيش السوداني شارك إلى جانب القوات اليمنية والسعودية والإماراتية والبحرينية في غالبية 40 جبهة قتال.
وكان لافتاً أن كشف الخرطوم عن حصيلة قتلاها جاء بالتزامن مع ارتفاع المطالبات الداخلية في البلاد بسحب القوات من اليمن، ما يعزز وجود رغبة لدى الخرطوم في الانسحاب، عززتها التصريحات الأخيرة للبشير، أثناء زيارته إلى روسيا، والتي وُصفت بأنها تعبير عن رأي بلاده باستمرار الحرب، إلا أنه وبدافع الإحراج، وحسابات خاصة للقيادة السودانية مع الرياض، قد تؤجل سحب القوات، لما لذلك من تأثير متوقع على التحالف، بالنظر إلى حجم المشاركة السودانية، بآلاف الجنود. من زاوية أخرى، يُنظر يمنياً إلى السودانيين في الحرب، بأن مشاركتهم ليست أكثر من إرضاء للسعودية ودول التحالف، إذ ليس لدى الخرطوم مصلحة أو أجندة منطقية من الانخراط في حرب طال أمدها. وتركز بعض التعليقات على دفع التحالف بالقوات السودانية إلى جبهات المواجهات النارية، في حين أن الدول الأخرى، كالسعودية والإمارات، تحضر للسيطرة على المواقع الاستراتيجية وتشارك بالضربات الجوية أكثر منها في المعارك البرية، التي تحضر فيها القوات السودانية.