[ تصاعد التوتر الأمني في عدن - فرانس برس ]
غادر فخر سلطان عمله في مكتب رئاسة الجمهورية عقب سيطرة الانقلابيين عليه، رافضاً العمل تحت سلطتهم، وقرر العودة إلى قريته في محافظة تعز اليمنية.
وتعرّض بسبب ذلك لإسقاط جميع مستحقاته، لكنه كان مقتنعاً بكل تلك الإجراءات نتيجة إيمانه بالشرعية واستعداده للتضحية في سبيلها. ومع عودة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، تفاءل فخر الذي قرر الذهاب إلى عدن لاستخراج رواتبه الموقوفة واستئناف عمله من مكتب رئاسة الجمهورية في عدن، قبل العودة منها بخفي حنين، من دون الحصول على مستحقاته ولا العودة إلى وظيفته.
ومنذ الإعلان عن مدينة عدن في جنوب اليمن عاصمة مؤقتة للحكومة الشرعية ونقل المؤسسات الحكومية إليها، ظلت الحكومة الشرعية عاجزة عن تفعيل مؤسساتها، في الوقت الذي ظل وزراء الحكومة قابعين في فنادقهم في العاصمة السعودية الرياض، ورافضين العودة إلى عدن لممارسة مهامهم من داخلها، باستثناء بعض الوزراء الذين يزورون عدن بين الحين والآخر.
كما أن القصور في الجانب الإداري دفع الحكومة إلى الاستعانة بموظفي المكاتب التنفيذية في عدن، لقيادة الوزارات. ما انعكس سلباً على الأداء، نتيجة قلة الخبرة والمعرفة أحياناً والسلوكيات الإقصائية ضد الموظفين، الذين طلبوا نقل أعمالهم من المكاتب والوزارات المسيطر عليها من قبل الانقلابيين، إلى مكاتب ووزارات الشرعية، والبدء بممارسة مهامهم، لا سيما بعد أن توفرت الظروف المناسبة لإنجاز هذه المهمة بعد تحرير محافظة عدن من سيطرة الانقلابيين. عمل الحكومة بهذه الطريقة مع طواقم الوزارات والمؤسسات الحكومية، أدى إلى ظهور العديد من المشاكل بحسب موظفين في الحكومة، أهمها النقص في الكادر التشغيلي للوزارات وفشل الأداء الوظيفي فيها.
في هذا السياق، قال سلطان في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "توجهت إلى العاصمة عدن من أجل المعاملة على تلقي رواتبي، بعد أن نجحت باستخراج توجيه بالصرف من رئيس الوزراء، واستمررت أكثر من شهر متنقلاً بين وزارتي المالية والخدمة المدنية في عدن، لاستكمال الإجراءات. ومع كثرة العراقيل الإدارية التي واجهتها فقد أُصبت بالإحباط واضطررت للعودة إلى مدينة تعز من دون أن أستلم مستحقاتي".
وأضاف "كذلك لم أنجح في العودة لممارسة عملي في مكتب رئاسة الجمهورية في عدن، على الرغم من أني مثبّت في وظيفتي الحكومية منذ عام 2013، لكن للأسف لم نجد أن هناك توجها لبناء مؤسسات الدولة ولا لتفعيلها. وهذا السلوك يخدم سلطات الانقلابيين، لأنه لا يمكن القضاء على الانقلاب من دون استعادة الدولة فعلياً بمؤسساتها وخدماتها التي تقدمها للمواطن، وخلال تواجدي في العاصمة المؤقتة عدن لمست أن التوجه العام يهدف لإعاقة جهود استعادة مؤسسات الدولة".
وتمثلت أهم الإشكالات أمام الحكومة اليمنية، في أن الوزراء العائدين إلى عدن لا يجدون أماكن للسكن، ما اضطرهم لتقاسم الغرفة الواحدة في قصر المعاشيق الرئاسي، بين أكثر من وزير. كما أنه لم يتم تجهيز معظم مباني الوزارات باستثناء عدد محدود منها من دون نقل الكادر إليها، ما يجعلها عاجزة عن ممارسة أعمالها في ظل الغياب شبه الدائم للحكومة. كما أن الاختلال موجود في الهيكل الإداري في الوزارات وفي مؤسسة الدولة، حيث تمّت عرقلة الموظفين القادمين لممارسة أعمالهم في العاصمة عدن في الجهات الرسمية. ما جعل الوزارات مجرد هيكل اسمنتي من دون أي مهام.
ولعل رفض الحكومة العودة إلى عدن لممارسة مهامها من داخلها، رغم المطالبات المتكررة بذلك من قبل الشارع المؤيد للشرعية، وكذلك بعض الأحزاب السياسية، أتى في سياق عدم قدرتها على معالجة العديد من إشكاليات عدن، خصوصاً ملف الانفلات الأمني المتصاعد. على أن الأمر طاول معظم المحافظات المحررة، التي باتت الأجهزة الأمنية فيها خاضعة للفصائل المسلحة الموالية للقوات الإماراتية، المصنّفة كابوساً أساسياً معرقلاً لجهود الحكومة في إدارة المناطق المحررة، لا سيما العاصمة عدن، الخاضعة فعلياً للأجهزة العسكرية والأمنية الموازية، وعلى رأسها ما يسمى بـ" الحزام الأمني"، الممسك بالمجمل بالمدينة. كما أن "المجلس الانتقالي الجنوبي" عدّ عائقاً كبيراً أمام الحكومة يمنعها من ممارسة مهامها في ظل بقاء الملفات السياسية مفتوحة الحل.
وما زالت الأجهزة الأمنية التابعة للشرعية في عدن، عاجزة عن مواجهة سيناريو الانفجارات بالسيارات المفخخة التي تستهدف بعض المنشآت الحيوية، وكذلك عمليات الاغتيال المتكررة بين الحين والآخر، بالإضافة إلى الاشتباكات المتكررة بين الفصائل المسلحة المتنافرة، التي تتقاسم جغرافية المدينة إلى مربعات نفوذ في ظل عجز وزارة الداخلية عن القيام بمهامها.
وفي نظر المحللين هناك أسباب متعددة تعرقل عملية تثبيت الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة، باعتبار ذلك الخطوة الأساسية في عملية استعادة الدولة، وربما من أهم هذه الأسباب عدم امتلاك الدولة للموارد المالية التي تساعدها على إدارة المناطق المحررة إذ تسيطر جماعات مسلحة وشخصيات نافذة على الموار المالية للدولة، إضافة إلى عدم وجود الرؤية والخطة المشتركة بين الحكومة اليمنية وبين قيادة دول التحالف العربي في المسار السياسي والعسكري، ولذلك تعثّر مشروع تقديم نموذج للإدارة يلبي احتياجات وتطلعات الناس في هذه المحافظات.