[ مثّلت عاصفة الحزم ضربة قاصمة لايران ومخططاتها بالمنطقة ]
لم تستوعب العقلية التي تدير الجمهورية الإيرانية انطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن لمواجهة أذرعها إلا بعد مرور العام الأول لانطلاقها بالرغم من أنها أرسلت أسلحة ومعدات وحتى خبراء للحوثيين، لكن ليس وفق ردة فعل تعتقد إيران أنها كافية لمواجهة "العرب" الذين تحركوا فجأة برغم القروح والإصابات التي تلتهم عقليتهم السياسية وأوضاعهم الأمنية.
كانت المفاجأة السعودية حاسمة وصاعقة لإيران، فقد أنهت الطلعة الأولى يوم (26 مارس/آذار 2015) ثلاثة عقود ونيف من الصمت والصبر على التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وتفتيتها طائفياً وسياسياً والتي لا يمكن وصفها ولا يرضى بأقل من فتنة تعمّ الجوار العربي في ظل مشروعها للهيمنة واستعادة الأمجاد القومية المندثرة.
لم يكن السلوك الحربي ضمن خيارات الرياض ولا في تقاليدها بل كانت مكرهةً عندما وصلت الأمر إلى تهديد جوارها والانقلاب في دولة هي خاصرة شبه الجزيرة العربية وضاحيتها الجنوبية، فكان الرد مزلزلاً مُرعباً للنظام في طهران.
ولم تتحرك الرياض وحيدة، بل حركت تحالف أوسع من 11 دولة، وهو ما أخاف إيران بشكل أكبر، رغم أن بعض أعضائه لم يسبق أن أبدى وعياً كافياً بخطورة تدخلات ايران، أو اتخذ مواقف علنية واضحة ضد سياساتها التخريبية وميليشياتها الطائفية، وما تسببت به من جرائم في العراق وسورية ولبنان.
العملية تتجاوز اليمن
أدركت إيران منذ اللحظة الأولى لانطلاق العمليات العسكرية في اليمن، أن العملية تعنيها أكثر بكثير مما حاولت إقناع نفسها والمجتمع الدولي أن الحوثيين والقوات الموالية للمخلوع اليمني هي المستهدفة من تلك العمليات.
وبدأت مرحلة مراجعة لخططها العشرية لتضع آلة الردع الخليجية في أولى أولويات الصعوبات التي تواجه مشروعها.
ولم تكن تعتقد أن ربيعاً عربياً آخر بدأ يتحرك في المنطقة العربية، وتقوده المملكة العربية السعودية، فاعتقدت أن التهاء القادة العرب بربيع الثورات التي استهدفت أنظمة الحكم الاستبدادية سيمكنها من استغلال الأزمات الإقليمية للمزيد من التمدد، واستفحلت في ذلك حتى جاء الردع غير المتوقع في معركة غير متوقعة للإيرانيين، وبحجم تحالف أكبر بكثير من توقعاتها.
ومع ذلك -كما هي العادة- حاولت إيران تحويل العمليات العسكرية إلى ورقة في يدها للمقايضة بملفات أخرى، أو لإجبار السعودية إلى الجلوس في طاولة مفاوضات حول الملفات الإقليمية وإعادة سفارتها بعد الهجوم الهمجي في يناير/كانون الثاني 2016 عليها.
إيران مُسيّر للحوثيين
خلال الحرب اليمنية ظهرت إيران كمسير فِعلي للحوثيين من الناحية السياسية والدبلوماسية، في مشاورات جنيف (يونيو/حزيران 2015) ظهر ناصر أخضر (أبو مصطفي) رجل المخابرات الإيراني يلقي بالتعليمات للحوثيين من خارج جلسة الاجتماعات عبر وسيط يمكنه الدخول (حميد رزق مدير قناة المسيرة).
مع بدء استيعاب الصدمة لكنها لم تتخلص منها تماماً، أنشأت إيران لجنة خاصة لدعم الحوثيين يقودها رئيس شرطة طهران إسماعيل أحمدي مقدم، وهو قيادي سابق في الحرس الثوري، ومتهم بقضايا فساد واغتصاب في السجون السياسية الإيرانية، والذي قدم تقريره إلى البرلمان الإيراني، وحصل على موازنة حكومية للجنته المكونة من عدة فروع (سياسية وعسكرية وإغاثية ومعلوماتية)، فيما قدم قاسم سليماني قائد فيلق قدس (والمسؤول عن ميلشيات إيران في الخارج) تقريراً كل 60 يوما إلى مجلس الخبراء في إيران (أعلى هيئة سياسية وتشريعية في إيران) عن الأوضاع في اليمن.
استقبلت إيران الوفود الحوثية إلى المزارات والمراكز المقدسة والقيادة السياسية في إيران، من أجل مواجهة الخطر الداهم المستهدف لنظام الولي الفقيه، من خلال "عاصفة الحزم".
بدأت تحركات عربية في الداخل الإيراني (الأحواز) تشكل عامل ضغط أكبر مع التهليل الكبير لأبناء الدولة العربية المحتلة من إيران أشعرها بمدى تسلل تلك المظلومية العربية للحصول على دعم من دول الخليج.
وكان حضور الأمير تركي الفيصل المدير السابق للمخابرات السعودية في مؤتمر للمعارضة الإيرانية في الخارج (يونيو/حزيران 2016) تأثيراً أكبر على النظام الإيراني عندما طالب الفيصل بـإسقاطه، وأصبحت إيران تقتنع أن "عاصفة الحزم" هي إعادة أمل للشعوب المضطهدة من قبل النظام القمعي لمواجهته.
ما يجري في اليمن اليوم يؤكد أن السعودية ليست مندفعة نحو التدخل عسكرياً في أي مكان، بعكس إيران التي يقاتل جنودها في كل مكان وخبراؤها في اليمن، كانت إيران تدمر اليمن خلال عام (2014) بأيدي الحوثيين، وحاولت السعودية استيعاب الحوثيين وإقناعهم بالتخلي عن الفوضى العسكرية والفلك الإيراني، وبالتالي فإيران والحوثيين هم من دفع إلى ما يجري اليوم، فليس من السهل أن تكون هناك حرب ممتدة للسعودية دون أن تكون المخاطر أكبر بكثير على أمنها وعلى أمن شبه الجزيرة العربية وفي مقدمتها خطر على اليمن.