في هذه السلسلة يكشف (الموقع بوست) حقيقة ما يسمى بالخرافة السلالية الهاشمية، من خلال (12) حلقة متتالية، توضح كيف تم صناعة هذه الخرافة، و كيف جرى الترويج لها، واقناع الناس بها تأريخيا.
السلسلة تشكل مجموعة ابحاث تأريخية عميقة، استغرقت وقتاً طويلاً في سبيل الوصول الى الحقيقة.
خامساً: مشجرات الأنساب .. اليمن نموذجاً:
ليست ظاهرة موجات الانتساب إلى عرق أو سلالة أو دين أو جماعة بظاهرة جديدة على المجتمعات، وليس المجتمع اليمني بدعا بينها، فبين حكم سلالات انتسبت لعلي وفاطمة امتد أكثر من ألف سنة يتسع ليشمل اليمن بأغلبها ويضيق لينحصر في بعض المناطق، ووسط مذهب يضم أخيراً نحو ثلث سكان اليمن ويعتنق مبدأ الاصطفاء لكن باعتدال وعقلانية، توافر إغراء متعدد الأبعاد للانتماء للسلالة الهاشمية العلوية الفاطمية. تجدد هذا الإغراء مع ظهور الحركة الحوثية وأخذها الحيز الجارودي المتشدد في المذهب الزيدي، والمطعم بلمحات اثني عشرية جعفرية، ثم انتشارها بفعل نكهتها السلالية والمذهبية وسيطرتها على مقاليد الحكم في اليمن.
نتيجة لذلك اتسع نطاق الأسر المنتسبة للهاشمية العلوية الفاطمية لدرجة قدر عدد أفرادها بين أربعة ملايين إلى ستة ملايين يمني، بمعنى أن من بين كل أربعة يمنيين أو ستة واحد هاشمي علوي.
ومن الواضح المبالغة في العدد سواء بحده الأدنى أو الأعلى لا سيما وأنها لم تجر أية محاولات لدراسات جينية تحسم المسألة علمياً. مع ذلك بالإمكان إخضاع الانتساب للبيت الهاشمي العلوي بهدف معرفة درجات صحة الانتساب، لنقد يعتمد بصورة رئيسية على كتب الأنساب المرجعية الخاصة بالنسب العلوي على مر التاريخ، وبالاستعانة بعض الشيء بترجمات شملت إيراد سلسلة النسب.
بيد أنه قبل ذلك تجدر الإشارة إلى أن علماء الأنساب بينهم من الخلافات الكثير، وأن بعضهم نقل عن بعض – وهذا طبيعي – ومنهم المتحري والمتساهل، لكن يبقى المعاصرون لجيل في السلسلة أقرب للثقة فيما يخص هذا الجيل أو نسبة متأخرذكر مصدرا قديما استند إليه، لاحتمالية اختفاء مخطوطات ذلك المصدر، وسيتم هنا نقد موضوع الانتساب في ضوء كتب أنساب في قرون هجرية متلاحقة تبدأ من القرن الثالث الهجري، عصر التدوين العربي وانتهاء بالقرن التاسع الهجري، وتختص بالنسب العلوي ومقارنة ما جاء فيها من مشجرات بما ورد عن مشجرات الأسر اليمنية، مع تجاهل أسماء الأسر والاكتفاء بأسماء أشخاص في السلاسل.
أهم هذه الكتب التي تم الاعتماد عليها:
- في النسب الهاشمي العلوي عموماً:
- المعقبون من ولد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لمؤلفه السيد الشريف يحيى بن الحسن بن جعفر الحجة الحسيني المدني العبيدلي (214-277هـ).
- سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري (كان حياً سنة 341هـ).
- المجدي في أنساب الطالبيين. لمؤلفه السيد الشريف الأجل نجم الدين أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد العلوي العمري النسابة (توفي 459هـ).
- الفخري في أنساب الطالبيين لمؤلفه العلامة النسابة السيد عزيز الدين أبي طالب إسماعيل بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد المروزي الأزورقاني (572- بعد 614هـ).
- تهذيب الأنساب ونهاية الأعقاب، لمؤلفه أبي الحسن محمد بن أبي جعفر شيخ الشرف العبيدلي النسابة (توفي 435هـ).
- الشجرة المباركة في أنساب الطالبية للإمام فخر الرازي (توفي 606هـ).
- عمدة الطالب الصغرى في نسب آل أبي طالب، لمؤلفة العلامة النسابة جمال الدين أحمد بن علي الحسني الداوودي المعروف بابن عنبة (738 – 828هـ).
2. في النسب الهاشمي العلوي في اليمن خصوصاً:
- نيل الحسنيين بأنساب من باليمن من بيوت عترة الحسنين وغيرها من بيوت العلم والزهد والصلاح والرياسة اليمنية إلى سنة 1376هـ، من مجاميع (مؤلفه) محمد بن محمد بن يحيى بن عبدالله بن أحمد بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد زبارة.
واعتمد فيه على كتاب – مخطوط – روضة الألباب وتحفة الأحباب وبغية الطلاب ونخبة الأحساب بمعرفة الأنساب المشهور بمشجر أبي علامة لمؤلفه محمد أبي علامة (متوفي 1044هـ)، وهو أشهر الكتب اليمنية الجامعة لأنساب عترة الحسنين باليمن وغيره، والذي تبرأ فيه ممن ألحق فيه أحدا بغير حقيقة قطعية، بما يفيد حصره لكل الأسر اليمنية المنتسبة لعلي بن أبي طالب. وتعقب الكتاب حفيده محمد بن عبدالله بن محمد أبو علامة.
الملاحظات:
• كثرة كاثرة من الأسر المنتسبة اليوم في اليمن إلى البيت العلوي الفاطمي، لم ترد باسمها أو مشجراتها، لا في مشجرات أبي علامة، ولا تعقيبات حفيده، ولا في كتاب نيل الحسنيين لزبارة. مع ما يفيده أبو علامة ويوحي به زبارة من حصرهما لجميع الأسر المنتسبة للهاشمية العلوية في اليمن، ما يجعلها جميعاً محل شك ابتداءً مقارنة بما ورد لديهما.
• تختلف مستويات درجات صحة الانتساب بناء على قدر اتفاق واختلاف علماء الأنساب، مثال بالنسبة لأولاد موسى الكاظم: اتفقوا على أنه أعقب من: علي، إبراهيم، العباس، إسماعيل، محمد، عبد الله، عبيد الله، الحسن، جعفر، إسحاق، حمزة، واختلفوا في عقبه من: إبراهيم الأكبر، الحسين، زيد، هارون، واتفقوا أنه لم يعقب من: أحمد، جعفر الأكبر، داوود، محمد، سليمان، يحيى، الفضل، علي، عبدالرحمن، القاسم.
وعليه يكون من البديهي صحة نسبة من اتفقوا على أنه أعقب، والشك في من انتسب إلى من اختلفوا في عقبه، واليقين في كذب من انتسب إلى من اتفقوا على أنه لم يعقب، ويزيد اليقين بادعاء من انتسب إلى من لم يُذكر في من اتفقوا على أنه أعقب أو اختلفوا في عقبه أو اتفقوا على أنه لم يعقب، أي من انتسب لشخصية مختلقة بالأساس.
• الكثير من الأسر المنتسبة للإمام علي تأخذ ألقابها من الصفات أو من المناطق التي سكنتها، وبالتالي فمجرد اللقب يمكن أن يحدث بلبلة وخلطا.
• بعض أسر لها أكثر من مشجر مختلف إلا في نهاياته على الإمام علي ما يضعها جميعاً في دائرة الشك والإيحاء بانعدام أدنى محاولات تحري وتثبت.
• ذكر عدد من النسابة تناسل أحد أشخاص البيت العلوي في اليمن، في حين لا نجد في المشجرات اليمنية من ينتسب لهذا الشخص أمثلة على ذلك: يحيى بن عبدالله بن موسى الجون، وكذا الحسن بن أحمد الناصر بن يحيى الهادي، والحسين بن أحمد الناصر بن يحيى الهادي.
- السابقون وغيرهم جاء في كتب أنساب وجود نسل لهم في اليمن بينما لا نرى من ينتسب إليهم في المشجرات اليمنية.
• معظم الأسر المنتسبة للهاشمية العلوية وفقاً للمشجرات اليمنية تنقسم قسمين رئيسيين: أحدهما القسم الحسني، معظمها عن طريقين:
الأول، القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب
الثاني، داوود بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وثانيها، القسم الحسيني، معظمها عن طريق: جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومنه عن طريقين:
الأول، علي العريضي بن جعفر الصادق.
الثاني، موسى الكاظم بن جعفر الصادق.
وحولها يمكن إيراد الملاحظات التالية بناء على مطابقة المشجرات اليمنية على المشجرات العامة:
القسم الحسني أكثر ضبطاً من القسم الحسيني. وداخل هذا القسم المنتسبون عن طريق الحسين بن القاسم الرسي أكثر ضبطاً، والمنتسبون إلى موسى الجون عن طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن داوود بن سليمان بن عبدالله بن موسى الجون، أكثر ضبطاً.
القسم الحسيني يكاد يكون أغلبه مختلا وغير منضبط.
القاسم الرسي:
اختلفوا في عدد أبنائه وعدد المعقبيين منهم، ويلاحظ الآتي:
• عاصره من النسابة العبيدلي، ولم يذكر للقاسم الرسي عقبا.
• أبو نصر البخاري ذكر له من الأعقاب ستة فقط، هم الحسن، إسماعيل، إبراهيم، يحيى، سليمان، والحسين.
• لم يذكر البخاري أن للقاسم الرسي ولدين، محمد الذي تنتسب له بعض الأسر اليمنية، كما لم يذكر موسى. فيما ذكرهما نسابة متأخرون في النصف الأول من القرن الخامس الهجري بفارق زمني قدره مئة وخمسون عاماً.
• نُسب إلى أبي نصر البخاري القريب زمنياً من عصر القاسم الرسي وأولاده وأحفاده أنه قال: كل من انتسب إلى القاسم الرسي من غير ولد الحسين بن القاسم ففيه نظر. بمعنى أن البخاري يشير إلى أن عقب القاسم الرسي من ولده الحسين فقط.
• نسابة متأخرون قالوا إن القاسم الرسي أعقب من ستة وبعضهم قال إنه أعقب من سبعة من أولاده.
• نسابة لم يذكروا إبراهيم، الذي تنتسب له بعض الأسر، من بين أولاد القاسم، بينهم العبيدلي مؤلف تهذيب الأنساب، فيما العمري قال إن عقب إبراهيم الرسي انقرض.
• من أشهر من انتسب إلى القاسم الرسي من جهة ولده محمد – لم يذكره البخاري – أئمة من طريق علي العياني، أبرزهم الإمام القاسم – ونسبه حسب ما ذكره نسابة: الإمام القاسم بن علي العياني بن عبدالله بن محمد بن القاسم الرسي، فيما تراجم أوردت نسبه على النحو التالي: القاسم بن علي العياني بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأنه توفي في 393هـ. وبحساب عمر الجيل مابين 30-40 سنة يتبين أن النسب الأخير إما أنه لا يصح أو أن هناك سقط في اسمين على الأقل من السلسلة إضافة إلى أن النسابة لم يذكروا عبدالله من بين أولاد محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن.
الحسين بن القاسم الرسي:
• ذكر البخاري من أولاده يحيى الهادي فقط، بينما ذكر نسابة متأخرون بفارق يفوق المئة عام ثلاثة أولاد للحسين هم الهادي، عبدالله، علي.
• فيما لم يذكر نسابة ليحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم الرسي غير ولده عبدالله الذي قالوا أنه أعقب في الري بإيران، ذكر نسابة بعضهم متأخرون إلى مطلع القرن التاسع الهجري أن يحيى أعقب إلى جانب عبدالله، عبدالرحمن الذي تنتسب إليه كثير من الأسر اليمنية.
موسى الجون:
• نسابة لم يذكروا نعمة – الذي تنتسب إليه أسر يمنية – من بين أولاد علي بن داوود بن سليمان بن عبدالله بن موسى الجون، وقلة متأخرون ذكروا اسم رحمة من بين أولاد علي بن داوود ولم يذكروا اسم نعمة، ونذكر هذا من باب احتمال اللبس بين نعمة ورحمة في المخطوطات، كما هي واردة بين عبد الله وعبيد الله، والحسن والحسين، وربما أحمد ومحمد.
علي العريضي:
ينتسب إليه كثير من الأسر اليمنية عن طريق أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق. والملاحظ :
• اختلف النسابة في عقب أحمد بن عيسى إلا أنهم جميعاً لم يذكروا من بين أولاده لا عبدالله ولا عبيد الله الذي تنتسب إليه كثير من الأسر اليمنية.
• على افتراض الخلط بين عبدالله بن أحمد بن عيسى وبين عبدالله أو عبدالله الأحنف، أو عبيد الله الأكبر أو عبيد الله الأحول أو عبيد الله الأصغر أولاد عيسى، فإن النسابة اتفقوا على أن جميعهم لم يعقبوا إلا عبدالله الأحنف والأخير عقبه من ولده إسماعيل فقط وليس من غيره.
• نسابة متأخر في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري يُدعى محمد المدني مؤلف كتاب تحفة الطالب أي بفارق زمني يتراوح بين ستمائة وسبعمائة سنة نقل عن يمنيين أن لأحمد بن عيسى ولد اسمه عبد الله.
موسى الكاظم:
وهو من أكثر الأسماء التي تنتسب إليه أسر يمنية في القسم الحسيني، ويمكن إيراد الملاحظات التالية:
• كثير من الأسر اليمنية بينها أسرة بيت الحوثي تنتمي إلى موسى الكاظم عن طريق إدريس بن جعفر الزاكي أو الكذاب كما تسميه الإمامية بن علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عن طريق محمد بن إدريس. وقد ذكر معظم النسابة المتقدمون والمتأخرون إلى نهاية القرن العاشر الهجري أن عقب إدريس من ولده القاسم فقط، ولم يذكروا له ولداً غيره إلا قلة قليلة ذكروا أن لإدريس ولدا آخر اسمه عبد الله اختلف في عقبه بمصر.
• نسابة اعتبروا كل من ينتسب إلى إدريس من غير ولده القاسم، اعتبروه دعياً.
• من أشهر من انتسب إلى إدريس بن جعفر الزاكي عن طريق محمد – غير موجود باتفاق النسابة – الإمام يحيى بن حمزة الذي تنتسب إليه أسر يمنية بمقدمتها بيت الحوثي، وقد ورد نسبه وفيه سقط أو زيادة اسم كالتالي: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم. بزيادة أحمد وسقطه بين محمد وإدريس. مع أن النسابة لا يذكرون لا محمد ولا أحمد من ولد إدريس بن جعفر.
• أسر يمنية انتمت لموسى الكاظم عن طريق درويش بن جعفر الزاكي، فيما لم يورد النسابة هذا الاسم بين من اتفقوا على أنهم أعقبوا أو من اختلفوا في أنهم أعقبوا، أو اتفقوا على أنهم لم يعقبوا من أولاد جعفر الزاكي.
• كثير من الأسر اليمنية تنتمي لموسى الكاظم عن طريق عون بن موسى الكاظم، فيما لم يذكره النسابة بين أولاد موسى لا الذين اتفقوا على أنهم أعقبوا، ولا الذين اختلفوا في أنهم أعقبوا، ولا الذين اتفقوا على أنهم لم يعقبوا.
تلك كانت نماذج فقط لاختلالات في مشجرات الكثير من الأسر اليمنية المنتسبة للهاشمية العلوية الفاطمية وفي القرون الهجرية الأولى ليتكشف جليا عدم صحة نسب كثير من الأسر وفقا لمطابقة المشجرات إلى الهاشمية العلوية وقد يزداد الأمر سوءا بالاستمرار في تتبع مشجرات الأنساب إلى القرون الأخيرة. ونستخلص من عملية الاستقصاء والمطابقة بين المشجرات أن بينها الصحيح كسلاسل نسب، وبينها المشكوك فيه، وبينها المقطوع بادعاء أصحابها.
• نختتم مسألة الانتساب السلالي بما يشبه الطرفة إذ أن أسرا مصرية تنتهي في مشجراتها إلى محمد المهدي بن الحسن العسكري الإمام الأخير الغائب لدى الشيعة الاثني عشرية، رغم إجماع النسابة على أنه غير موجود وأن الحسن العسكري لم يعقب. ورغم إجماع الشيعة الاثني عشرية المصرين على وجوده، على أنه لم يعقب وليس له ولد.
لمتابعة الحلقات السابقة على الروابط التالية:
الحلقة
الاولى.
الحلقة
الثانية.
الحلقة
الثالثة.
الحلقة
الرابعة.
الحلقة
الخامسة.
الحلقة
السادسة.
الحلقة
السابعة.
الحلقة
الثامنة.
الحلقة
التاسعة.