[ الرئيس هادي مع معين عبد الملك - سبأ ]
بعد مخاض عسير ولدت الحكومة اليمنية، وجرى الإعلان عن تشكيلتها، وفقا لاتفاق الرياض المتعثر منذ أكثر من عام.
جاءت الحكومة برئاسة معين عبد الملك الذي احتفظ بمنصبه للمرة الثانية، وكلف بتشكيل الحكومة بناء على قرار رئيس الجمهورية رقم (35) لسنة 2020.
ضمت الحكومة في عضويتها 24 وزيرا، بعد دمج العديد من الوزارات، وإلحاق بعضها بوزارات أخرى، لكن الحكومة ذاتها تشكلت انطلاقا من المحاصصة بين الأطراف السياسية المنضوية تحت إدارة السعودية والإمارات، وأبرزها الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ويأتي هذا التشكيل بالمحاصصة امتدادا لذات الحكومات المتعاقبة منذ نوفمبر من العام 2011، حين جرى تشكيل حكومة جديدة تحت ضغط الثورة الشعبية التي أسقطت حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وضمت في عضويتها أعضاء من مختلف التيارات السياسية للمرة الأولى منذ تفرد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكم بناء على نتائج ثاني انتخابات برلمانية شهدتها البلاد في السابع والعشرين من أبريل 1997.
وتعد هذه الحكومة هي الرابعة منذ اندلاع حرب السعودية في اليمن مطلع العام 2015، وسبقتها حكومة خالد بحاح 2015 – 2016، ثم حكومة أحمد عبيد بن دغر 2016 – 2018، ثم حكومة معين عبد الملك الأولى 2018 -2020، ثم حكومة معين عبد الملك الثانية المعلن عنها في السابع عشر من ديسمبر 2020.
ظروف تشكيل الحكومة
جاء الإعلان عن هذه الحكومة وفقا لاتفاق الرياض الموقع في الخامس من نوفمبر 2019 برعاية سعودية إماراتية، ونصت مخرجاته على تشكيل هذه الحكومة بما يضمن ضم المجلس الانتقالي إلى عضوية الحكومة، لقطع الطريق أمام حالة التأزم بين الحكومة والمجلس الانتقالي.
وبالتالي فالحكومة بشكلها الحالي هي خليط يتكون من نقائض في أعضائها المختلفون في التوجهات والأجندة، وجرى دمجهم في كيان واحد بضغوط سعودية وإماراتية، وهما الدولتان المعنيتان بتشكيل هذه الحكومة، بعد الإخفاق العسكري الميداني لهما منذ سنوات.
المحاصصة السياسية
تهيمن المحاصصة على أعضاء الحكومة، وهذه المحاصصة ذاتها في العمل الحكومي لم يكتب لها النجاح من قبل، وبالنظر لطبيعة الأطراف التي تقاسمت الحكومة فهي كما أسلفنا كلٌّ من الشرعية والمجلس والانتقالي، بالإضافة لحصة الرئيس هادي، أو ما يعرف بالوزارات السيادية.
رئيس الحكومة معين عبد الملك يصنف في خانة الرياض، ويحظى أيضا بالرضا من قبل دولة الإمارات، وبذلت الدولتان جهدا لإبقائه في منصبه، ومثله احتفظ نايف البكري بحقيبته كوزير للشباب والرياضة، ومحمد المقدشي كوزير للدفاع، وسالم بن بريك كوزير للمالية، ضمن حصة الرئيس هادي، وكذلك معمر الإرياني كوزير للإعلام، وأضيفت له الثقافة والسياحة، ويصنف سياسيا ضمن حصة المؤتمر الشعبي العام.
وهناك أيضا نجيب العوج الذي نقل من موقعه في وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة السابقة ليعين كوزير للاتصالات ضمن حصة المؤتمر الشعبي العام.
يدلف إلى تشكيلة الحكومة الجديدة أحمد عوض بن مبارك كوزير للخارجية، وضمت إليه وزارة شؤون المغتربين، وهي حقيبة محسوبة على حصة الرئيس هادي، ويأتي بن مبارك لهذا المنصب من عمله كسفير لليمن لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
حصة الرئيس هادي ضمت أيضا وزارة الداخلية التي جرى تعيين اللواء إبراهيم حيدان وزيرا لها، وبالتالي إقالة الشخصية المقربة من الرئيس هادي أحمد الميسري الذي ظل في منصبه لسنوات.
بالنسبة للمجلس الانتقالي فقد حصل على خمس وزارات هي النقل التي أسندت لعبد السلام هادي، خلفا للوزير صالح الجبواني، وكذلك الأشغال العامة والطرق التي ظلت شاغرة منذ العام 2018، وعين صالح بن يمين وزيرا لها.
ومن ضمن حصة الانتقالي وزارة الزراعة والتي أضيف لها الثروة السمكية، وعين على رأسها سالم السقطري المنتمي لجزيرة سقطرى، والذي عمل من قبل محافظا لسقطرى، ويتهم بالتمكين لدولة الإمارات هناك، وكان ممن أسهموا في سقوط الجزيرة بيد مليشيا الانتقالي.
الانتقالي حصل أيضا على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أسندت لمحمد سعيد الزعوري، وكذلك وزارة الخدمة المدنية التي جرى تعيين القيادي في الانتقالي عبد الناصر الوالي وزيرا لها.
حصة المؤتمر الشعبي العام بالإضافة لوزارة الإعلام ضمت أيضا وزارة العدل وأسندت لبدر العارضة، وأيضا وزارة النفط وتولى حقيبتها عبد السلام باعبود.
أما حزب التجمع اليمني للإصلاح فقد كان نصيبه من الحكومة أربع حقائب وزارية، هي الصحة العامة والسكان التي أسندت للدكتور قاسم بحيبح، وكذلك وزارة الصناعة والتجارة التي عين لها محمد الأشول، وهي الوزارة التي تعاقب عليها ثلاثة وزراء من حزب الإصلاح من العام 2014 حتى الآن.
كما جاءت وزارة التعليم العالي والفني، والمدمجة من وزارتين لحزب الإصلاح، وأسندت حقيبتها للدكتور خالد الوصابي، وكذلك احتفظ الإصلاح بوزارة الشباب والرياضة التي ظلت بيد الوزير نايف البكري.
أما بالنسبة لوزارة الشؤون القانونية التي ألحقت بها وزارة حقوق الإنسان، فقد عين على رأسها أحمد عرمان، وهو محامي معروف، وله إسهاماته في العمل الحقوقي، من خلال عمله سابقا في منظمة هود، ومن غير المعروف ما إن كان محسوبا عل حزب الإصلاح أو المؤتمر.
الحزب الإشتراكي اليمني حصل هو الآخر على حقيبتين وزاريتين، الأولى التخطيط والتعاون الدولي، وتولاها واعد باذيب، وكذلك المياه والبيئة، وأسندت للمهندس توفيق الشرجبي.
وهناك أربع زارات أخرى جرى تعيين شخصيات جديدة في قيادتها، وتتبع مكونات وأحزاب أخرى، كوزارة التربية والتعليم المحسوبة على مكون حضرموت الجامع وتولاها طارق العكبري، ووزارة الإدارة المحلية التي جاءت من حصة التنظيم الوحدوي الناصري وتولاها حسين عبد الرحمن الأغبري، وهي الوازارة التي ظلت بيد الحزب منذ فترة طويلة.
حزب الرشاد دخل أيضا تشكيلة الحكومة بحقيبة وزارية للمرة الأولى منذ تأسيسة بعد أن كان يحصل فقط على عضوية المجلس دون حقيبة، وحصل هذه المرة على وزارة الأوقاف والإرشاد وتولاها القيادي في الحزب محمد عيضة شبيبة.
وللمرة الأولى تكون هناك حقيبة وزارية تمثل محافظة المهرة في التشكيلة الحكومية، وعين لها الدكتور أنور محمد علي كلشات، وكانت الوزارة من نصيب الائتلاف الوطني الجنوبي، وتنازل عنها لمحافظة المهرة، ويعد كلشات أحد المتخرجين حديثا في تخصص يتعلق باللغة العربية.
التوزيع الجغرافي
بالنسبة للتوزيع الجغرافي لتشكيلة الحكومة فيبدو بدرجة أساسية من مدن جنوب اليمن، وهي النطاق الجغرافي الذي تتواجد فيه السعودية والإمارات، وتتعارك فيه الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وتنتمي غالبية الوجوه لتلك البقع الجغرافية، مع نسب بسيطة لوزراء ينتمون خارج تلك الجغرافيا، ووفقا للتوزيع فهناك 13 وزيرا ينتمون للمحافظات الجنوبية، مقابل 11 وزيرا يمثلون محافظا الشمال.
أما بالنسبة للتوزيع وفقا للأقاليم الاتحادية التي لم يعمل بها بعد، فقد جاء ذلك على النحو الآتي: إقليم عدن (7 حقائب)، وإقليم حضرموت (6 حقائب)، وإقليم الجند (6 حقائب)، وإقليم آزال (3 حقائب)، وإقليم سبأ (حقيبتين)، بينما لم يحظ إقليم تهامة بأي تمثيل.
وخلت الحكومة من الوجوه النسائية أيضا، وهي القضية التي أثارت جدلا كبيرا قبيل إعلان تشكيل الحكومة، ولقيت ردود فعل واسعة من ناشطات يمنيات.
دلالات ومؤشرات
بدا واضحا من تشكيلة الحكومة أنها جاءت ملبية لمطالب المجلس الانتقالي والسعودية والإمارات، فقد جرى إقالة أبرز الوجوه الحكومية المؤيدة للشرعية، والتي رأى فيها الانتقالي حجر عثرة، ونظرت لها أبوظبي والرياض بغضب بسبب أدوارها المناهضة لهما مثل أحمد الميسري وصالح الجبواني.
الوضع نفسه ينطبق على وزراء آخرين جرى مكافأتهم بتلك الوزارات، كسالم السقطري الذي عين وزيرا للزراعة والثروة السمكية، وهو المعروف بمناهضته للشرعية، وانخراطه في التمرد عليها بجزيرة سقطرى، والعمل لصالح السعودية والإمارات، بينما جرى إبعاد شخصيات من الواجهة تماما رغم تأييدها للشرعية، كمحافظ سقطرى رمزي محروس.
وبالنسبة للانتقالي فدخوله إلى تشكيلة الحكومة يعد إنجازا مهما، ويعني الاعتراف الضمني بوجوده على الأرض، وبكونه صار ممثلا حيا، وطرفا فاعلا، وهي رغبة سعودية إماراتية مشتركة.
تجسد الحكومة في تشكيلتها الرغبة السعودية الإماراتية في خلق حكومة شكلية، بينما يعاني الوضع الميداني من أزمات كثيرة، كما استبق إعلان الحكومة عدم تنفيذ ما يعرف بالشق العسكري والأمني، وعدم البدء بتنفيذ الانسحابات العسكرية من الأماكن المتفق عليها كالوضع في محافظة أبين، حيث يصف عسكريون ما يجري هناك بالمسرحية، ومن الجدير بالذكر هنا أن مدير أمن عدن المعين بقرار رئاسي قبل أشهر لم يستطع العودة لمزاولة مهامه في عدن الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي، بينما عاد المحافظ المعين مؤخرا أحمد لملس والمحسوب على مليشيا الانتقالي.
أزمات كثيرة ستواجه الحكومة في أداء مهامها، لعل أهمها انعدام وسائل القوة لدى الحكومة اليمنية التي تمكنها من الوصول والبقاء وتولي زمام المبادرة في المدن اليمنية خاصة مدينة عدن، وإذا ما تمكنت من الوصول فستمارس عملها بشكل شكلي كما كان الوضع سابقا، وتحت حماية المليشيا ورحمتها.
في محصلة القول إعلان الحكومة يعد تعبيرا عن نجاح سعودي إماراتي في فرض اتفاق الرياض كمخرج للوضع الراهن في الجزء المضطرب من اليمن، رغم تعثره سابقا، وعدم صلاحيته لاحقا.