[ هجوم أرامكو .. كيف أذلت إيران الإمارات والسعودية أمام الحوثيين؟ ]
بعد أن حققت إيران مكاسب سياسية وعسكرية كبيرة في منطقة المشرق العربي، وبات الصراع في العراق وسوريا ولبنان شبه محسوم لصالحها، فإنها أقدمت على اتخاذ إجراءات، أو بالأصح إيصال رسائل لخصومها في الخليج، لتحسم الصراع في اليمن لصالحها، أو على الأقل لتحافظ على المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها حلفاؤها الحوثيون خلال الخمس السنوات الأخيرة.
سيناريو مدروس
تهاجم إيران ناقلات نفط في الخليج، في المياه الإقليمية الإماراتية، ثم تنفي صلتها بالهجوم، فتجري دولة الإمارات والولايات المتحدة تحقيقا بشأن الهجوم، فيظهر أن إيران هي من نفذته، لكن دولة الإمارات لا تتهم إيران صراحة بالمسؤولية عن ذلك، لأن الاتهام وتأكيده يقتضي الرد، وهو ما لا تقدر عليه دولة الإمارات، وبعد ذلك تعلن عزمها الانسحاب من اليمن، وتبدأ بخطوات عملية لتأكيد ذلك، ثم ترسل وفدا إلى طهران للحوار حول أمن المنطقة والتعاون بين البلدين.
وكذلك فعلت السعودية بخصوص الهجوم الذي استهدف منشأة أرامكو النفطية، فهي تدرك يقينا أن إيران هي من نفذت الهجوم، خاصة بعد التحقيقات التي لم تعلن نتائجها كاملة، لكنها تتحاشى اتهامها بذلك مباشرة، لأن الاتهام يقتضي الرد، وهو ما لا تقدر عليه السعودية، أو تخشى من عواقب ذلك. وفي الجانب الآخر، يصر الحوثيون على أنهم هم من نفذوا الهجوم، ثم يعلنون وقف هجماتهم على السعودية من جانب واحد ويطالبونها بالمثل، فتبدي السعودية تجاوبا مع ذلك.
إذن، لقد نجحت إيران في إذلال كل من السعودية والإمارات أمام حلفائها الحوثيين، من خلال رسائل قصيرة وموجهة بذكاء جعلت الدولتين تعيدان التعامل مع الصراع في اليمن بأسلوب مختلف. فبعد الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط بالقرب من سواحل دولة الإمارات، في منتصف يونيو الماضي، ثم الهجوم الذي استهدف منشأة أرامكو النفطية في شرقي السعودية، في منتصف سبتمبر الماضي، كل ذلك جعل الدولتين تغيران من إستراتيجيتهما في اليمن، فالإمارات بدأت تعلن انسحابها من اليمن، بينما السعودية تبدي ميلا نحو الحوار مع الحوثيين أملا في التوصل لحل للأزمة وإيقاف الحرب.
حسم أم مصالحة هشة؟
لا يبدو أن الصراع في اليمن ومنطقة الخليج قادم على مزيد من المفاجآت، فبعد أن استنفدت مختلف أطراف الصراع كل أوراقها وخياراتها، يبدو أن المنطقة مقبلة على سلام هش، أو على حالة غريبة من التسوية المؤقتة لملفات الصراع، وبالأصح ستكون مرحلة لا هي بالسلام الشامل ولا الحرب الشاملة، كنتيجة طبيعية لفشل السعودية وحليفتها دولة الإمارات في إدارة الصراع والعلاقة مع مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة.
وإذا صح التعبير، يمكننا القول بأن السعودية والإمارات صارت خياراتهما إما هزيمة مشرفة أو انسحاب مشروط أو استسلام ذكي، ذلك أن المخاوف من الخسائر الاقتصادية الباهظة في حال اندلعت حرب بين الدولتين وإيران، في دول ذات اقتصاد ريعي قائم على موارد غير متعددة، فإن ذلك جعل مخاوف الدولتين تتفاقم، فضلا عن عدم خبرتهما العسكرية أو عدم القدرة على المواجهات العسكرية أمام دولة ذات طبيعة عدوانية ولديها جيش ثوري، وتلتف حولها العديد من المليشيات الشيعية في المنطقة ذات عقيدة قتالية وخبرة ميدانية في القتال.
وتبدو إيران الأكثر دهاء في إدارة صراعها مع جيرانها العرب، ففي حين نجحت في جعل جميع الشيعة في المنطقة تحت لوائها، من علمانيين ومحافظين وليبراليين وغيرهم، فإن السعودية والإمارات تعملان على استعداء مختلف السنة العرب، سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين أو ليبراليين وغيرهم، مما جعل الدولتين تستنزفان إمكانياتهما أمام أعداء وهميين، وتتجاهلان الأعداء الحقيقيين الذين يحيطون بهما من كل جانب.
وإذا افترضنا بأنه تمت مصالحة سياسية هشة أو تسوية منقوصة لملفات الصراع في المنطقة، خاصة الملف اليمني، فإن ذلك لا يعني بأن كل القضايا قد حسمت، فتلك تسوية ستكون مفخخة بألغام الطائفية ونشر الثورة الخمينية، وكل ما في الأمر فإن ذلك سيكون، بالنسبة لإيران وحلفائها، تثبيت المكاسب الراهنة والحفاظ عليها، ثم الاستعداد لجولة جديدة من الصراع للحصول على مكاسب جديدة، أي عملا بسياسة "قضم المراحل" واستهلاك الوقت.
والسؤال هنا: ما الذي يجعل السعودية والإمارات توجهان كافة جهودهما للقضاء على ثورات الربيع العربي ومحاربة الأحزاب والحركات الإسلامية التي كان لها دور بارز في تلك الثورات، وفي نفس الوقت لا تتأهبان بجدية لمواجهة المشروع الإيراني الذي يتعاظم نفوذه ويشكل خطرا حقيقيا على الدولتين؟ لا شك أن اعتماد الدولتين على الحماية الأمريكية ضد أي خطر أجنبي حقيقي يهددهما هو من يضع مسار هذا التوجه، لكن هل الاعتماد على الحماية الأمريكية لوحده يكفي؟
مؤشرات قاتمة
تبدو المؤشرات العامة للصراع في المشرق العربي قاتمة، بعد أن انتعشت الآمال في بداية عملية "عاصفة الحزم" بإمكانية توحد العرب حول قضايا ذات اهتمام مشترك، وأولها تصاعد النفوذ الإيراني في بعض البلدان العربية، وجعل ذلك النفوذ موجها صوب ضرب الأمن والاستقرار في مختلف دول المنطقة، ورسم سيناريوهات ربما لم تخطر على بال معظم الحكام العرب، خاصة حكام دول الخليج.
لكن انحراف عملية "عاصفة الحزم" عن أهدافها، وتحولها إلى تمزيق وتفكيك اليمن وإضعافه، وهدم كل معالم الدولة، وصعود نفوذ المليشيات المسلحة البدائية التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل الدولة، كل ذلك أغرى إيران لتواصل سعيها نحو تحقيق مشروعها التخريبي والتوسعي في آن واحد، لعلمها بأنه ليس ثمة حاكم عربي لديه "ذرة" من عقل وتفكير إستراتيجي يمكنه من مواجهة المخاطر والتحديات بما يتناسب مع حجمها ومدى خطورتها على الأمن القومي العربي.
إذن، ما الذي ستطمح إليه إيران بعد أن رأت دولة الإمارات وهي تهرول للتنسيق معها وتتحدث عن انسحابها من اليمن، بمجرد هجمات محدودة استهدفت ناقلات نفط في المياه الإقليمية الإماراتية؟ وما الذي ستطمح إليه إيران أيضا وهي ترى السعودية تبدي حسن نواياها وترحيبها بالحوار مع الحوثيين وبمبادرتهم بوقف الهجمات عليها، بعد الهجوم الذي استهدف منشأة أرامكو النفطية؟ وهل ستقدم إيران تنازلات بعد كل ذلك؟ أم أنها ستواصل عبثها في المنطقة بأساليب وأدوات جديدة حتى تحقق كافة أهدافها؟