[ هل لدى العرب والهنود والأفارقة مناعة ضد كورونا؟ ]
تابع العالم طوال الأشهر الثلاثة الماضية لحظة بلحظة الانتشار المتسارع لوباء كورونا والارتفاع المتواصل بأعداد الإصابات والوفيات به، وظهرت ضمن هذه المتابعة بعض الأمور اللافتة، منها أن المرض يقفز من بلد إلى آخر دون المرور على بلدان فاصلة بينهما، فمن بؤرة المرض الأولى الصين وبعض الدول المجاورة لها مثل كوريا الجنوبية واليابان انتقل المرض إلى إيران لتكون بؤرة كورونا الثانية وليسبّب فيها آلاف الإصابات ومئات الوفيات قافزا فوق بنغلادش والهند وباكستان التي لم يسجل فيها حتى الآن سوى أعداد لا تذكر من الإصابات رغم عدد سكانها الهائل، ودون أن يحدث فيها وفيات مرتبطة بالمرض رغم تواضع مستوى خدماتها الصحيّة.
ثم قفز كورونا إلى إيطاليا وبقيّة أوروبا بحيث أصبحت هي البؤرة الحالية للمرض حسب تصريح مدير منظمة الصحة العالمية، وتسبّب فيها عشرات آلاف الإصابات وأكثر من ألفي وفاة، دون المرور على تركيا التي لم يصب فيها حتى الآن سوى عشرات الأشخاص (حتى كتابة هذا المقال)، ثم انتقل كورونا إلى أميركا محدثا آلاف الإصابات لكنه تجاهل أفريقيا التي لم يسجّل فيها سوى إصابات محدودة، رغم علاقتها القوية وتواصلها المستمر مع الصين نتيجة استثمارات الصين الواسعة في أغلب الدول الأفريقية.
وبالإضافة إلى انعدام التناسب في أعداد المصابين بين بلد وآخر، كان هناك فرق واضح في شدة أعراض المرض ونسبة حدوث المضاعفات والوفيات الناجمة عنه، ففي دول مجلس التعاون الخليجي وصلت أعداد المصابين حاليا إلى نحو ألف إصابة، دون وقوع وفيات بينها، واقتصرت التقارير الخليجية اليومية على ذكر أعداد الذين تم شفاءهم من المرض، ورغم أن دول الخليج متطورة طبيا واتبعت إجراءات صحية استثنائية على معابرها الحدودية مما ساعدها في اكتشاف أغلب هذه الحالات لعائدين من إيران أو مصر ولكن انعدام الوفيات رغم وجود مئات المصابين هو حالة استثنائية لم تتمكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية من الوصول إليها.
وفي مصر ارتفع عدد الإصابات إلى 126، وتم تسجيل حالتي وفاة الأولى لرجل ألماني والثانية لسيدة مصرية وكلاهما في الستين من عمرهما، وكان لفيروس كورونا في مصر قصة تلفت الانتباه لأن اكتشافها في البداية تم نتيجة تحاليل إيجابية لقرابة مئة سائح أجنبي عند عودتهم إلى بلادهم في شهر فبراير الماضي، أو لمصريين ذاهبين إلى دول الخليج، دون أن تعلن مصر عن عدد إصابات بين المصريين تتناسب مع هذه المعطيات مما ترك شكوكا بأن مصر تخفي وضع كورونا الحقيقي حفاظا على الموسم السياحي، ولكن اليوم مع متابعة سير كورونا، الحميد نسبيا في مصر، لن يكون من المستبعد أن يكون الفيروس قد تفاعل عند المصريين بشكل مختلف، بحيث كان بإمكان المصابين منهم بكورونا نقل العدوى للآخرين دون أن تتطور عندهم أعراض شديدة للمرض.
وفي أفريقيا حيث يعيش 1.3 مليار إنسان في ظروف حياتية صعبة ومع خدمات صحية سيئة، ما زال عدد الإصابات فيها هو الأقل عالميا، وأغلب الدول الأفريقية خاصة تلك الواقعة جنوب الصحراء فإن عدد الإصابات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، والأيام القادمة ستكشف إن كان هذا نتيجة أن الوباء فيها ما زال في بداياته أم أن لفيروس كورونا مسار مختلف وحميد في أفريقيا.
لهذا التفاوت الغريب في أعداد الإصابات وشدّة الأعراض ثلاث تفسيرات:
الأول أن المناخ الحار في أفريقيا ودول الخليج لم يساعد الفيروس على التكاثر ونقل العدوى بنفس الشراسة التي كان عليها في المناطق الأخرى. وفي الحقيقة كانت درجات الحرارة في أفريقيا ودول الخليج خلال الفترة الماضية أعلى بأكثر من عشر درجات مئوية مقارنة مع الدول التي شهدت الانتشار الواسع للمرض. وإذا كان هذا التفسير صحيحا فمن الطبيعي توقّع انحسار الفيروس مع قدوم فصل الصيف بعد بضعة أسابيع، وإذا عاد كورونا في الشتاء القادم فسيكون العالم أكثر استعدادا لمواجهته وسيكون اللقاح المضاد له قد اقترب من أن يكون في متناول اليد.
والتفسير الثاني أن هناك استعدادا أكبر لمقاومة فيروس كورونا ولعدم الإصابة بمضاعفاته عند الأفريقيين والهنود والعرب، وهذا يقدم تفسيرا معقولا لهذا التفاوت في نسبة انتشار المرض وشدّة أعراضه وأعداد الوفيات الناجمة عنه بين المصريين مقارنة مع السياح الأوروبيين العائدين من مصر، ويمكن تأكيد أو نفي هذا الاحتمال من خلال إحصاء نسبة المصابين بفيروس كورونا وطريقة سير المرض عند العرب والأفريقيين المقيمين في أوروبا وأميركا بما فيهم المولودين منهم هناك ومقارنتها مع بقية المكونات؛ ولكن من الملاحظ أن أغلب المقابلات التي عرضتها القنوات الأميركية لأشخاص تحت العلاج أو تمّ شفاؤهم من كورونا كانت لأشخاص بيض، وإذا تم التأكد من وجود تفاعل مختلف مع الفيروس حسب العرق فيمكن الاستفادة منه في اختيار متطوعين من الخلفية العرقية الأكثر مقاومة لفيروس كورونا ليكونوا بالخط الأول في مواجهة هذا المرض.
والتفسير الثالث أن المناطق التي يسير فيها وباء كورونا بطريقة أقل شراسة اليوم قد تعرضت في الماضي لفيروس ذو تركيب قريب من فيروس كورونا الحالي، مما أكسب سكانها مناعة من المرض، مثل الذين تعرّضوا لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "م ي ر س" الذي كان سببه فيروس تاجي آخر بدأ في السعودية عام 2012، أو غيره من الفيروسات المسببة لنزلات البرد الموسمية التي تأتي بكثرة في العالم الثالث خاصة منها ما كان يتظاهر بسعال شديد أو ضيق في التنفس.
وفي هذه الحالة لن تختلف نسبة المصابين بكورونا وشدة أعراضه عند أبناء هذه المناطق المقيمين في أميركا وأوروبا عن بقية السكان، لأن الحماية من كورونا في هذه الحالة تقتصر على من تعرض للإصابة الفيروسية السابقة التي منحته مناعة جزئية من الفيروس.
عندما تعلن إيطاليا عن 368 وفاة يوم 15 مارس الحالي و250 وفاة في اليوم السابق له نتيجة وباء كورونا، وهي أرقام مرعبة لم تحدث منذ زمن بعيد، بينما تكون أعداد مرضى كورونا أقل وحالتهم الصحية أفضل في بعض مناطق العالم الأكثر فقرا والأقل تطورا، فهذا يدعو للتساؤل حول سبب هذا التفاعل المختلف مع المرض بين منطقة وأخرى.
كذلك توصلت إحصائيات سابقة إلى أن هذا الفيروس أقل خطورة على الأطفال والشباب والنساء من الرجال والكبار في السن، فقد تقود إحصائيات ودراسات جديدة إلى أن الفيروس يتفاعل مع الأعراق والمناطق الجغرافية بطريقة مختلفة مما سيساعد في فهم أكثر للفيروس، وسيقلل من حالة الذعر في مناطق واسعة من العالم كما سيتيح للمنظمات الصحية الدولية والوطنية لأن تركّز جهودها على المناطق الأكثر تعرّضا للمخاطر والمضاعفات مما قد يساعد في مواجهة أكثر فعالية لوباء كورونا الحالي.