[ صورة قديمة للعاصمة اليمنية-صنعاء ]
جرت حروب مختلفة على مر التاريخ القديم والحديث عُرفِت خلالها مُدن وعواصم من خلال تغييرها لمجريات وقائع معينة.
كما أن هناك مُدن انطلقت منها عمليات التحرير وبفضلها حققت دول أو أمم انتصارات مشهودة عقب سلسلة من الهزائم السحيقة.
ستالينغراد
مدينة تقع بروسيا الاتحادية اليوم وتُعرف حالياً باسم "فولغوغراد" جنوب شرق الجزء الأوربي من روسيا الاتحادية.
جرت في هذه المدينة واحدة من أهم المعارك الكُبرى والفاصلة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية وذلك خلال الحملة العسكرية الألمانية على الاتحاد السوفيتي.
ستالين غراد أثناء الحرب العالمية الثانية
في صيف 1942 هاجمت ألمانيا وحلفائها من دول المحور مدينة ستالينغراد عبر سلاح الجو منفذةً حملات قصف جوي عنيف ومتواصل حولت المدينة إلى أنقاض وأطلال وذلك قبل وصول القوات البرية.
مع دخول القوات البرية لألمانيا وحلفائها، وجدت ألمانيا نفسها غارقة في حرب مُدن من المنازل والشوارع، حيث احتدم القتال العنيف بين الفيرماخت "القوات المسلحة الموحدة لألمانيا"، وبين الجيش الأحمر "جيش العمال والفلاحين الذي أنشأة البلاشفة وتحول اسمه لاحقاً إلى الجيش السوفيتي".
دارت رحى هذه المعركة دون الأخذ بعين الإعتبار لسقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين حيث كانت تحمل أهمية بالغة لكلٍ من "جوزيف ستالين قائد الجيش الأحمر،والذي تحمل المدينة أسمه" وأدولف هتلر "حاكم ألمانيا النازية".
مع تمسك الطرفين بأهمية الظفر بالمعركة وحسمها، تمكّنت القوات الألمانية من إخضاع المدينة كاملةً بعد مقاومة شديدة واجهوها من السوفييت الإ أنهم عجزوا عن كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش الأحمر الذي تمسكت قواته بالضفة الغربية لنهر الفولغا " أطول أنهار أوروبا وأغزرها،يقع في الجزء الغربي الأوروبي من روسيا".
في 19 نوفمبر 1942م، أطلق السوفييت حملة أورانوس العسكرية تمكنوا خلالها من هزيمة الجناحين الأيمن والأيسر للقوات الرومانية المساندة لألمانيا، وفي 23 نوفمبر، تمكنوا من محاصرة وتطويق نحو 250 ألف من قوات الجيش السادس والفيلق الرابع التابع لجيش بانزر"وهو جيش بانزر ألماني شارك في معارك الحرب العالمية الثانية ولعب دورا محوريا في غزو فرنسا ثم معارك الجبهة الشرقية"، ومع حلول الشتاء تسبب الجوع والبرد في ضعف القوات الألمانية التي أبلغت هتلر عن رغبتها بكسر الحصار والإنسحاب من ستالينغراد، غير أن هتلر رفض ووجه ببقاء القوات متعهداً باستمرار امدادهم عبر جسر جوي بالغذاء والعتاد، لكن المطارات توقفت بعد ذلك عقب سيطرة الجيش الأحمر على المطارات التي تستعملها القوات الألمانية وهو الأمر الذي أدى إلى إنهيار ألمانيا وتعرضها لثاني أكبر خسارة في الحرب العالمية الثانية.
بلغت الخسائر البشرية في هذه المعركة حوالي مليوني ضحية، ما يصنفها كإحدى أكبر المعارك دموية في تاريخ الحروب، وكان لها الدور الأكبر في تحوّل مجرى الحرب العالمية الثانية، فلم يستعد النازيون قوتهم السابقة ولم يحققوا بعدها أي انتصار استراتيجي في الشرق.
جناق قلعة
درات في مدينة جناق قلعة "مدينة تركية على ضفاف نهر الدردنيل"، معركة أرادت القوات البريطانية والفرنسية من خلالها إحتلال إسطنبول، وفتح طريق من تركيا لدعم روسيا في معركتها مع القوات الألمانية في 1915م ضمن أحداث الحرب العالمية الأولى، حيث كان موقف روسيا ضعيف حينها أمام المقاتلين الألمان.
على مضيق الدردنيل دارت رحى تلك المعركة الأسطورية التي أعدت بريطانيا وفرنسا لها جل قدراتها غير أنها باءت بالفشل إثر صمود واستبسال العثمانيين "الأتراك" بالدفاع عن دولتهم.
من معركة جناق قلعة 1915م
ركّع العثمانيين أوروبا وكان قائد هذه الحملة من الجانب العثماني هو مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، وانتهت هذه المعركة التاريخية بانتصار الجيش العثماني على قوات التحالف بقيادة الإمبراطورية البريطانية وقُتل من جانب التحالف ما يقارب 300 ألف جندي واستشهد من الجانب العثماني ما يقارب 250 ألف جندي.وتعد معركة جناق قلعة نقطه سوداء بالتاريخ العسكري البريطاني بعد هزيمتهم بها أمام القوات العثمانية.
صنعاء- حصار السبعين
في سبتمبر 1962م تمكّن اليمنيون وعلى رأسهم طليعة من الأحرار إلحاق هزيمة ساحقة بالنظام الإمامي الرجعي الذي استبد بحكم اليمنيين لمئات من الأعوام حيث وكان نظاماً سلالياً متوارثاً بين العوائل التي تدعي نسبها إلى "آل البيت"، وعلى إثر النجاح الذي حققه اليمنيون بتجريد العائلة الإمامية من سلطتها وإعلان الجمهورية اليمنية، اندلعت مواجهات بين الجمهوريين وبين أتباع النظام الإمامي وجنوده لمدة سبعة سنوات.
بعد سنين من المواجهة رجحت كفة القدرات العسكرية لصالح الإماميين الذين تفوقوا كماً وكيفاً، الأمر الذي قادهم إلى إسقاط محافظة صعدة وحصار حجة وسيطرتهم على الجبال المشرفة على صنعاء، وعلى قصر السلاح، حيث قطعوا خطوط الإمداد على الجمهوريين.
تحاصر الجمهوريين في مناطق في صنعاء، واستعان الإماميون بعدد من الخبراء الأجانب في خطة الهجوم على صنعاء، وتم تقسيم القوات الملكية الإمامية إلى أربع محاور، واتجاهات للهجوم.
العاصمة اليمنية صنعاء أثناء حصار السبعين
أعد الجمهوريون المحاصرون في صنعاء خطة مواجهة مماثلة، واستدعت القيادة قوات المظلات والصاعقة التابعة لها من الحديدة للمساهمة في كسر الحصار، وأعادت لواء النصر من "ثلا" منطقة قريبة من صنعاء، وتحركت هذه القوات بقيادة البطل الفريق حسن العمري رئيس وزراء الجمهوريين والقائد الأعلى لقواتهم المسلحة، إلى جانب النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان "بطل حصار السبعين" وتمكّنت من كسر الحصار الذي دام سبعون يوماً، وإلحاق هزيمة أخيرة وساحقة بالقوات الملكية .
أهمية هذه المعركة أنها مثلت انتصاراً ساحقاً على عائلة كانت على وشك أن تعيد الجمهورية إلى كهنوتها بعد أن قد اليمنيون التضحيات الجسيمة للتخلص منها، إلى جانب أنها قضت على أحلام الإماميين لعقود قادمة من التفكير بالعودة للحكم، ثم أدت هزيمة النظام الإمامي الرجعي إلى استتباب الأمر للجمهورية التي انتزعت من السعودية الإعتراف بها إنتزاعاً بعد أن دعمت الحرب ضدهم لسنوات.
سراييفو
تعرضت مدينة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك لأطول حصار في أوروبا فرضته القوات الصربية عليها من إبريل 1992م إلى نوفمبر 1995م، وبعد أن سيطرت قوات صربيا على الجبال المحيطة بالمدينة، وتمكنوا من السيطرة ناريا على مدرج مطار سراييفو، الذي كان يفصل بين منطقتين يسيطر عليهما الجيش البوسني (دوبرينيا وبوتمير)، قتل نحو 500 بوسني برصاص القناصة وهم يحاولون عبور المدرج، ليكونوا ضمن 11 ألفا و541 شخصا ماتوا نتيجة الحصار الذي يعتبر الأطول بعد حصار ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية.
في إبريل 1993 بدأ البوسنيون بحفر نفق أرضي ليستطيعوا من خلاله كسر الحصار وإمداد سراييفو بالطعام، والسلاح والجنود للصمود في المعركة، استمر حفر النفق لمدة 104 أيام، وبطول 800 متر، وارتفاع متر ونصف، وتم من خلاله إنقاذ حياة نصف مليون بوسني كانوا بين خيارين إما الإستسلام للصرب وإما الموت جوعاً. وأطلق على ذلك النفق اسم"نفق الحياة".
نفق الحياة الذي عمل البوسنيون على حفرة 104 أيام وتم خلاله إنقاذ حياة أكثر من نصف مليون بوسني
معركة إل آلامو
في مدينة سان أنطونيو الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية دارت معركة إل آلامو وهي أحد الأحداث المحورية خلال ثورة تكساس في مارس 1836م.
بدأت ثورة تكساس عندما ثار المستوطنون في محافظة تكساس المكسيكية ضد الحكومة المركزية، عقب أكثر من قرن من الصدامات بين حكومة المكسيك وأعداد المستوطنين الأمريكان المتزايدة في تكساس.
شنت القوات المكسيكية هجوماً على بعثة آلامو تحت قيادة الجنرال أنطونيو لوبيز "جنرال مكسيكي حارب الإسبان في محاولتهم لإستعادة المكسيك"، حيث شُنت هجمات لوبيز بالقرب من سان أنطونيو دي بيكسار "في تكساس، الولايات المتحدة حالياً"، وقتل فيها جميع المدافعين التكسيين الأمر الذي دفع الكثير من أبناء مدينة سان أنطونيو –المستوطنين والمغامرين من الولايات المتحدة-، إلى الإنضمام للجيش التيكسي بدافع رغبة الإنتقام.
آلامو كما رسمت في عام 1854م
بعد أن تآزر الجيش التيكسي تمكّن من هزيمة جيش المكسيك في معركة سان جاسينتو في ابريل 1836م، وأجبر الجيش المكسيكي إلى الخروج من تكساس "المكسيكية"، ثم وضع حامية فيها 100 تيكسيني في آلامو"مدينة أمريكية في تكساس حالياً"، وازدادت قوتهم عقب وصول التعزيزات إليهم بقيادة جيمس باوي"عسكري أمريكي في القرن التاسع عشر، لعب دوراً بارزاً في ثورة تكساس، يُعتبر شخصية تاريخية وبطلاً قومياً في ولاية تكساس".
في 23 فبراير 1837م، نفذ 1500جندي في الجيش المكسيكس زحفاً إلى سان أنطونيو، كخطوة أولى لحملة استعادة تكساس، وعلى إثر ذلك اندلعت مناوشات بين الطرفين لمدة عشرة أيام خلفت ورائها القليل من الضحايا ،وخلال ذلك كتب أحد القادة التكسيين عدة رسائل استغاثة لمعرفته أن حاميته عاجزة عن الصمود أمام القوات المكسكية، ولكن لم يتم دعم التكسسيين إلا بأقل من 100 رجل.
في السادس من مارس تقدم الجيش المكسيكي نحو تكساس واستطاع التكسيون صد هجومين غير أنهم فشلوا بالثالث، وتسلق الجيش المكسيكي الجدران فانسحب التكسيون إلى المباني الداخلية، ولم يتمكن المدافعون من الهرب وقتلوا من قبل سلاح الفرسان المكسيكي ، استسلم ما بين خمسة إلى سبعة من التكسيين ولكنهم أعدموا بسرعة، يعتقد معظم شهود العيان أن ما بين 182 و 257 من مواطني تكساس قد قتلوا، ويذهب مؤرخون إلى أن هذا الرقم يقابله 600 قتيل مابين قتيل وجريح من قبل القوات المكسيكية.
أثارت هذه الأحداث الرعب في قلوب التكسيين فهربوا من الجيش المكسيكي، وإلى 1846-1848م، طغت أحداث الحرب المكسيكية الأمريكية داخل المكسيك على هذه المعركة،وفي القرن التاسع عشر أصبح مجمع آلامو في تكساس يعرف عنه تدريجيا كموقع معركة.
وفي بداية القرن العشرين اشترت هيئة تكساس التشريعية الأرض والمباني وعينت كنيسة آلامو كضريح ولاية تكساس الرسمي. وحاليا أصبحت آلامو "أكثر المواقع السياحية شعبية في ولاية تكساس الأمريكية".