[ غرافيتي في ضنعاء، 2019، تصوير: محمود حمود ]
لا يُمكن الحديث عن المشهد الثقافي في اليمن دون ربطه بالحرب المستمرّة منذ خمس سنوات؛ فقد طاول الدمار جوانب الحياة الثقافية، واستمرّ إغلاق دور النشر وتوقُّف الصحف والمجلّات عن الصدور، وتهريب الآثار وقصف المتاحف ونهبها، وطاول العبث المواقع الأثرية.
لم يشهد 2019 أيَّ تغيير في اليمن، ولم يأت بجديدٍ سوى أنَّ أزمته دخلت مرحلةً جديدة من التعقيد الذي تشترك فيه جميع الأطراف، ويحاول كلٌ منها التنصّل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر؛ إذ ما زالت الآثار عرضةً للتهريب إلى الأسواق العالمية في أميركا وأوروبا عبر السعودية والإمارات، مع الأخذ بالاعتبار ارتفاع عدد القطع الأثرية التي جرت سرقتها من المتاحف اليمنية خلال 2019 إلى ما يزيد عن 1600 قطعة.
ولا تزال متاحف اليمن توصد أبوابها منذ بدء الحرب؛ إذ يبدو أن السلطات في صنعاء لم تجد وسيلة أخرى للحفاظ عليها غير إغلاقها، بينما يظلّ مصير مقتنيات متحف تعز مجهولاً بعد تصريحات مكتب الثقافة في المحافظة باستلامها من "جماعة أبو العباس" التابعة للإمارات منتصف العام الماضي، ومثل ذلك حال متحفي عدن والمكلّا.
وفي مجال المخطوطات، عُثِر في صنعاء القديمة في تمّوز/ يوليو الماضي، على قرابة اثنتي عشر ألف مخطوطة داخل قبّة "العوسجة"، نُقلت بعد ذلك إلى "دار المخطوطات". وبشكل عام، لا تزال المخطوطات عرضةً للإهمال والتهريب والتلف، وسط غياب أيّ دور للحكومة المنشغلة بالحرب، ولمنظمات المجتمع المدني، مع توقّف المشاريع التي تسعى إلى فهرسة المخطوطات وتغليفها ومعالجتها.
في الوقت ذاته، تستمر المعارك بين الأطراف الداخلية في مدينتي براقش وصرواح التاريخيتين بمحافظة مأرب، مع استمرار العبث المعماري بالمدن التاريخية، مثل صنعاء القديمة وشباب حضرموت وزبيد، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي المهدّد بالاندثار، بالتزامن مع القصف الذي أحدث أضراراً في حصن شبام كوكبان ومدينتي صعدة وتعز القديمتين، إلى جانب تضرّر الكثير من الجوامع الأثرية في العديد من المحافظات، دون ترميمها.
وخلال 2019، عثر مواطنون على مومياوات في إحدى المناطق بصنعاء، ولُقى أثرية في تعز، وسط اليمن، وبلّغوا الجهات الرسمية بشأنها، لكن خبراء في هذا المجال لا يستبعدون أن الموقعَين الأثريّين تعرّضا للعبث من قبل المواطنين خلال بحثهم عن الكنوز، وهي ظاهرة عرفت انتشاراً لافتاً في السنوات الأخيرة مع استمرار انقطاع المرتبات.
وكان لتقصير الجهات الرسمية في الحفاظ على التراث الأثري والثقافي أثر كبير إلى جانب حرب التحالف، إذ يعاني العاملون في هذا المجال من انقطاع مرتّباتهم واكتفاء السلطات في صنعاء بإعطاء كل منهم ما لا تتجاوز قيمته ثلاثة دولارات في الشهر الواحد تحت مبرّر انتقال البنك إلى عدن.
ويعاني كتّاب اليمن أيضاً من الأزمة الاقتصادية التي دفعت بعددٍ منهم إلى العمل في مجالات لم يكونوا يعملون بها، حيث لجأ البعض إلى جمع قارورات الماء الفارغة أو بيع السمك، واضطر آخرون إلى بيع مكتباتهم الخاصة، بينما عانت كاتبة قصة يمنية من ورم خبيث لم تستطع توفير تكاليف علاجه، وفقد شاعر بصره تدريجياً دون أن تتدخّل وزارة الثقافة لعلاجه، وهي حالاتٌ تُعطي صورةً عن وضع المثقّف اليمني اليوم.
في ما يتعلق بالإنتاج الإبداعي، كان للجهود الذاتية دور في إخراج بعض المؤلفات في الشعر والرواية والقصة والنقد إلى الساحة المحلية والعربية، في ظل إغلاق دور النشر في اليمن نتيجة القيود المفروضة عليها والإفلاس الذي تسبّبت به الحرب.
في الرواية، صدرت "حصن الزيدي" لمُحمَد الغربي عمران، عن "دار هاشيت أنطوان"، و"أبو صهيب العزي" لوليد دمّاج، عن "مؤسسة أروقة"، و"غرب القاش" لمحاسن الحواتي، عن "دار آي كتب" البريطانية، و"بلاد القائد" لعلي المُقري عن "دار المتوسط"، بالإضافة إلى روايتين لسمير عبد الفتاح: "للمؤلف ذاكرة أخرى" عن "دار أروقة للدراسات والنشر"، و"نبراس قمر" عن "دار راشد للنشر"، و"نبوءة الشيوخ" لبسام شمس الدين عن "دار ممدوح عدوان"، و"طريق مولى مطر"، لعمار باطويل عن "دار ثقافة للنشر والتوزيع"، و"الصخور المهاجرة" لجلال الرويشان.
في القصة القصيرة، صدرت العديد من المجموعات القصصية، منها "التعبئة" لوجدي الأهدل عن "دار هاشيت أنطوان"، و"وقعُ أقلام" لرانيا عبد الله عن "مؤسسة روائع للثقافة والفنون والنشر"، و"كريستيانا الفاتنة" لناصر الوليدي، و"الانتقام الصغير" لعيدروس الدياني، و"برق الأماني" لعلي أحمد عبده قاسم عن "دار ديوان العرب".
أما في الشعر، فصدرت عدة مجموعات شعرية عن دور نشر خارج اليمن؛ من بينها: "يوتوبيا وقصائد للشمس والقمر" لعبد العزيز المقالح، و"صمت الأضواء" لمحمد سلطان اليوسفي، و"سلاماً أيها الفجر" لعائشة المحرابي، و"أوراق عمري الخريفي" لمنال القدسي، و"هزيم" لمحمد إسماعيل الأبارة.
كما صدرت مجموعة من الكتب النقدية والفكرية؛ من بينها: "رحلة في أروقة الخيال" لعبد الوهاب سنين، و"مكاشفات ومقاربات" لمُحمَد ناجي أحمد، و"الصراع السياسي في مجرى الثورة اليمنية" لقادري حيدر، و"الزمن في الصورة الشعرية، دراسة لسانية في شعر البردوني" لعبد العزيز الزراعي، عن نادي الحدود الشمالية بالسعودية وتوزيع دار الانتشار العربي ببيروت، و"المثاقفة بين العرب وأوروبا.. مسرح شكسبير نموذجاً" للناقد هايل علي المذابي، في طبعتين، الأولى صادرة عن دار نور للنشر بألمانيا، فيما الثانية عن دار اليازوري في الأردن.
تشكيلياً، شهد اليمن خلال 2019، العديد من المعارض التي طغت على ملامحها ثيمة الحرب، منها معرض "العالم يرسم في تعز السلام والثقافة" في فبراير/ شباط، و"معرض 49" التشكيلي في صنعاء خلال نيسان/ إبريل، ومعرض "الوفاء لأيقونة الفنون التشكيلية الراحل هاشم علي"، إلى جانب العديد من المعارض الصغيرة التي أُقيمت في مؤسّسات خاصة وحكومية في صنعاء وعمران وذمار، بينما كان للتشكيليّين اليمنيين حضور خارج البلاد، خصوصاً في القاهرة التي استضافت ثلاثة معارض. وعلى نقيض ذلك، شهدت عدن ركوداً تشكيلياً منذ سيطرة الإمارات عليها.
وفي مجال الغرافيتي، زاد خلال العام الماضي الرسم على الجدران في صنعاء، وهو أمرٌ يمكن ملاحظته أيضاً في بقية المدن اليمنية؛ حيث جسّدت تلك الرسوم واقع البلاد السياسي والاجتماعي.
أمّا النشاط الثقافي المؤسّسي، فكأنه اقتصر على صنعاء طوال العام، من خلال نشاطات "نادي القصّة اليمني" (أل مقه)، و"مؤسّسة بيسمنت الثقافية" التي اقتصرت فعالياتها على القراءات في بعض المؤلفات وإقامة المعارض الفنية والتشكيلية والنقاشات الثقافية. وإلى جانب ذلك، واصل كلٌّ من "صالون نجمة الثقافي" و"صالون نون الثقافي" نشاطاتهما.
وفي ما يخص الفعاليات، اختتمت تعز عامها بإقامة "معرض تعز الثاني للكتاب"، والذي تخلّلته العديد من الأنشطة الفنية والثقافية في المحافظة التي تُلقّب بالعاصمة الثقافية لليمن، بينما استمر نشاط "مكتبة البردوني" في ذمار بجهود ذاتية، وتوقّفت الفعاليات في زبيد وعدن وحضرموت التي كانت على موعد لم يتحقّق مع الدورة الثانية من "المهرجان الوطني للمسرح" في كانون الأول/ ديسمبر.
وأُقيمت في صنعاء وذمار فعاليات الاحتفاء بموروث الشاعر اليمني عبد الله البردوني في الذكرى العشرين لرحيله، في الوقت الذي لا يزال فيه مصير بعض مؤلّفاته مجهولاً.
في الفن الرابع، قُدّمت في لندن مسرحية "أرض بلا ياسمين" للمخرج الفلسطيني مؤمن سويطات عن الترجمة الإنكليزية لرواية "أرض بلا سماء" للكاتب وجدي الأهدل، في نيسان/ إبريل الماضي. أمّا في السينما، فلم يفصح العام المنتهي عن أي إنتاج سينمائي، سوى الإعلان عن فيلم بعنوان "هزاع في الدقي" للمخرج بكيل شماخ، والذي تُصوَّر أحداثه في منطقة الدقي في القاهرة ويحكي معاناة اليمنيين في مصر.