من بائع جائل إلى مهاجر سري إلى روائي مشهور.. هكذا تنقّل المغربي عبد الرحمن عبيد، بين دروب الحياة، باحثاً عن موطئ قدم له وسط محطات وتحولات فارقة في مسيرته.
اختبر جميع أنواع الاحتياج والمعاناة، وواجه حياته بشحنة صبر قادته نحو الرواية، ليرسم بكلماته حكايات كان لتجربته الخاصة الكثير من التأثير فيها، ما منحها واقعية ومصداقية استقطبت القراء ومنحته شهرة واسعة في بلاده.
بائع جائل "عاشق" للكتب
ولد عبيد بمدينة بني ملال وسط المغرب عام 1967، وتابع دراسته الابتدائية والثانوية في حيّها الشعبي "العمرية". واستمر في دراسته بالمدرسة العمومية بنفس المدينة إلى غاية وصوله إلى الجامعة، حيث حصل منها على الإجازة (باكالوريوس) عام 1992.
وإثر تخرّجه، كان -كجميع حملة الشهادات العليا- يبحث عن وظيفة تؤمن له دخلاً يمكّنه من توفير احتياجاته.
وقال عبد الرحمن مُستذكراً معاناته: "كغيري من شباب المملكة، فإن الدراسة بالنسبة لي هي السبيل نحو تأمين لقمة العيش، أي الحصول على وظيفة تسمح لي بالعيش الكريم".
وأمام عجزه عن الحصول على وظيفة، كان لا بدّ وأن يقوم بأي عمل، فاختار بيع الكتب على أرصفة الشوارع.
لم يكن هذا العمل ليدرّ عليه الكثير من المال، غير أنه قد يكون همزة الوصل الأولى بينه وبين الكتب. فانطلاقاً من تلك التجربة، ولد عشقه للروايات وبدأ اهتمامه بالأدب عموماً وبمختلف أجناسه، مع أنه اضطر لبيع سلع أخرى، طمعاً في زيادة إيراداته.
وأمام ضغوط الحياة، اضطر عبد الرحمن أيضاً للعمل لمدة 6 أشهر، مساعداً لصياد بحري جنوبي المملكة.
سلسلة المهاجرين
انسداد آفاق حصوله على وظيفة تلبي تطلعاته وطموحه، لم يترك من خيار لـ عبد الرحمن سوى اختبار مسار غالباً ما يلجأ إليه شباب بلاده، بحثاً عن فرصة أفضل، وهو الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
وهذا الحلم كان قد راوده وسعى إلى تحقيقه عبر السفر سراً إلى ليبيا وتونس، طمعاً في المرور منهما إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
تجربة فيها الكثير من المرارة، نقلها عبد الرحمن إلى صفحات رواية بعنوان "لمبيدوزا" أصدرها عام 2011، وحققت انتشاراً واسعاً وضع اسمه على لائحة الروائيين الأكثر متابعة في بلاده.
وتتناول رواية "لمبيدوزا"أو "لامبيدوسا" وهي جزيرة تقع بالبحر المتوسط بين مالطا وتونس، اهتمامات الشباب المغربي وحلم السفر إلى الضفة الأخرى من المتوسط، علاوة عما يكابده في بلاده من معاناة جراء البطالة وقلة ذات اليد.
الرواية تغوص بأسلوب سلس رائق شبيه بالأفلام السينمائية، في مشاكل الشباب، وهو ما جعلها تلاقي إقبالاً كبيراً.
وعن رحلته إلى كل من ليبيا وتونس، يقول عبد الرحمن: "عملت في طرابلس أيام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، في ورشة لغسيل السيارات، كما عملت في إحدى أسواق المدينة أيضاً".
أما في تونس، يتابع، فـ "لم أمكث سوى بضعة أشهر بسبب عدم وجود فرص للعمل وارتفاع كلفة المعيشة".
وبفشله في العبور إلى أوروبا، قرر عبد الرحمن العودة إلى بلاده، وهناك، اتصل به مسؤول الثقافة بمدينته، واقترح عليه مساعدته في نشر روايته، ليدخل، في أحلك فترات حياته، عالم الرواية من أوسع أبوابها.
عالم الرواية
رواية عبد الرحمن الأولى في طبعتها الأولى صدرت عام 2007 ، تحت عنوان "حكايا العمرية"، وفي طبعتها الثانية عام 2014 ، ثم رواية "لمبيدوزا" التي نقلته إلى الشهرة عام 2011، ورواية أخرى صدرت في 2016 بعنوان "رباب تستيقظ".
كتابات اختزلت عشقه للرواية، سيما وأن هذا الهوس رافقه منذ الصغر، وكبر معه عقب ارتياده الجامعة، لينضج حين تطورت علاقته بالكتب زمن كان بيعها على الأرصفة.
وتعقيباً على ذلك، يقول: "قراءاتي معولمة نوعاً ما، حيث أقرأ لكتّاب من أميركا الجنوبية ومن اليابان، خصوصاً أن معايير قراءة النص تغيرت إثر انتقالي من القراءة إلى الكتابة".
وأضاف: "قرأت الخبز الحافي لمحمد شكري (كاتب مغربي ترجمت كتبه للعديد من اللغات) شكلت منعطفاً كبيراً في حياتي، بسبب جرأتها وطريقة كتابتها".
وتابع: "أنا الآن شبة عاطل، حيث أقوم بكتابة بعض الوثائق للمواطنين قرب بلدية المدينة القريبة من منزلي، وليس لدي محلّ للقيام بذلك".
عبد الرحمن كشف عن جانب مظلم من حياته كروائي يعجز عن توفير مستلزمات حياته اليومية، معتبراً أن "من يعوّل على العيش من إيرادات كتاباته واهم".
وبالنسبة له، فإنه "حين يريد كاتب نشر رواية له، يتوجه إلى الناشر الذي يمنحه 100 نسخة فقط ليبيعها، فيما تؤول عائدات النسخ المتبقية إلى الأخير".
ومع أنه يسعى جاهداً إلى حصر معاناته في كتاباته، إلا أن الصعوبات التي يواجهها الروائي في حياته تفجّر في داخله "مشاعر متضاربة" كما يقول.
وفي محاولة منه لتجاوز هذه الصعوبات المالية في نشر روايته، لجأ عبد الرحمن إلى منصات التواصل الاجتماعي، لإتاحة الفرصة للناس لقراءة نصوصه ومقتطفات من رواياته.